الوقت- يظنّ الكثيرون انه بعد الاتفاق النووي الايراني مع الدول الغربية ستجبر الجمهورية الاسلامية على التخلي عن مبادئها وقيمها، وذلك بالتخلّي عن الشعوب المظلومة والمضطهدة من فلسطين الى لبنان فسوريا مرورا بالعراق وصولا الى اليمن والبحرين وبلدان أخرى، عانت ما تعانيه الان من السياسة الامريكية الاستكبارية الداعمة للكيان الاسرائيلي، ويظن كثيرون أن الجمهورية الاسلامية ستلتحق بمحور الدول الغربية وتصبح كما الدول الخليجية شرطياً لأمريكا في منطقة الشرق الاوسط، خاضعة لرغباتها ومطيعة لأوامرها. ولكن الذي لا يعرفه الجميع أن في الجمهورية الاسلامية شعباً عظيماً وقيادة حكيمة لا ينسى ما فعلته أمريكا في ايران والمنطقة من زمن الشاه الى وقتنا الحالي. فالشعب الايراني لا يثق مطلقا بامریکا وان استراتیجیة الجمهوریة الاسلامیة ترتکز على مواجهة سیاسة امریکا المتغطرسة.
"ان سیاسات الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة في المنطقة تقف تماما في مواجهة سیاسات القوى الاستکباریة وعلى رأسها امریکا، وایران لا تثق مطلقا بامریکا لان الساسة الامریکان یفتقدون للمصداقیة والنزاهة." قالها قائد الثورة الاسلامیة سماحة آیة الله العظمى السید علي الخامنئي وهو يعي كل حرف قاله. فما هو سر انعدام الثقة بين الجمهورية الاسلامية وأمريكا؟
زمن الشاه
يعود الخلاف الأمريكي- الايراني الى زمن الشاه عندما قام الامريكيون باغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق الذي أطاحت به الاستخبارات الامريكية والبريطانية في إنقلاب عام 1953 ردا على تأميم مصدق للنفط الإيراني. ولم تعترف الاستخبارات المركزية الامريكية بدورها في إطاحة مصدق إلا عام 2013 وضغطت الاستخبارات البريطانية لإخفاء دورها في إطاحة مصدق. وفي وثائق سرية كشفتها الاستخبارات الامريكية بمناسبة الذكرى الـ60 لإطاحة مصدق وحكومة الجبهة الوطنية الإيرانية، تعترف "سي أي إيه" ان إطاحة مصدق "تم تنفيذها بأوامر مباشرة من الاستخبارات الامريكية كجزء من السياسة الخارجية الامريكية". ووفقا للوثائق فإن رئيس الوزراء البريطاني أنذاك انتوني ايدن هو من اقترح اولا إطاحة مصدق، وسعى لإقناع الامريكيين، واقتنعت حكومة ايزنهاور بسهولة. بعد مصدق، اتت الثورة الاسلامية وسالت دماء كثيرة، ويحمل الشعب الايراني امريكا المسؤولية كاملة عن كل هذه الدماء، فالشاه كان عميل أمريكا في ايران وكان ينفذ كلّ رغباتها ومطامعها.
حرب العراق
يتذكر الإيرانيون ايضا الحرب مع العراق كأكثر فصل مؤلم في حياتهم. فقد سقط الكثير من الشهداء في تلك المرحلة ولا يزال حتى يومنا هذا تستخرج جثث الشهداء من الأرض. فكل العالم وخصوصاً الشعب الايراني كان يعرف أن أمريكا أرادت الانتقام من الثورة الاسلامية في ايران عبر فرض حرب عليها من جارتها العراق فقدمت السلاح والدعم الكامل لصدام حسين في تلك المرحلة. وللدلالة على هذه الآلام جواد ظريف وزير الخارجية الايراني المعروف بالهدوء والتروي، عندما اشتدت المناقشات في فيينا قال لنظرائه الغربيين: حكوماتكم يجب أن تمثل أمام المحاكم الدولية بسبب دورها في حرب العراق، فاليوم في إيران هناك نحو 100 الف إيراني ما زالوا يموتون ببطئ من تأثير الأسلحة الكيميائية التي زود بها الغرب صدام حسين.
الکيان الإسرائيلي
وبما أن السياسة الامريكية الاستكبارية هي سياسة داعمة للکيان الإسرائيلي، يرى الشعب الايراني نفسه من بين الشعوب التي تعاني من الظلم جراء العدوان الإسرائيلي-الأمريكي عليها، فالكيان الاسرائيلي يقوم باضطهاد الفلسطينيين وقتلهم واحتلال أرضهم ويرتكب المجازر المروعة بحقهم، ومن فلسطين الى لبنان أخذ الکيان الإسرائيلي يمارس سياسة العدوان نفسها على الشعب اللبناني فاحتل الارض ودمر البيت ولم يبقِ حجراً على حجر. وبوجهه الآخر الارهابي التكفيري انتقل الارهاب الإسرائيلي - الأمريكي الى سوريا فدمر الحياة فيها وشرد أهلها وبنفس الوجه حطّ رحاله في العراق ولكن تحت اسم تنظيم داعش الارهابي الذي يعمل بأجندة أمريكية حيث اعترف عدد من المسؤولین الامریکیین بدور الادارة الامریکیة في تأسیس ودعم داعش، ومنه الى اليمن والبحرين حيث اعترف الکيان الإسرائيلي أن آل سعود هم شركاء حقيقيون لهم في حربهم على اليمن وفي اضطهاد البحرينيين وقمع حركتهم السلمية.
خلاصة القول، لم ولن ينتهِ انعدام الثقة بين الإيراني والأمريكي ولن ينتهي بوجود هذا النظام في إيران وهذا الشعب المقاوم فليس هناك أقوى من شعب على أرضه مع حضارة مستمرة. فالإيرانيون لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم كانوا أنفسهم. فهناك حضارة عريقة على هذه الأرض ولدى هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمة كبيرة. فالشعب الايراني والجمهورية الإسلامية مازالا على العهد وإيران النووية هي ذاتها إيران الإمام الخميني بقيادة الإمام الخامنئي والشعب الإيراني سار خلف قائده معلناً للعالم أجمع أن الجمهورية الإسلامية في إيران أصبحت نووية بشهادة العالم ومازالت على عهد مؤسسها، والبوصلة واضحةٌ وضوح الشمس ولن يحرف إتجاهها لا إنتصار نووي ولا تسويات ولا تهديدات، ولن تكون تنازلات على حساب الثوابت. بل إنّ كل إنتصار جديد سيعزز من حضور إيران في المنطقة والعالم وهي لن تتنازل عن العهود التي قطعتها مع حلفائها فهي لا تخون الثقة ولا تبيع الحلف.