الوقت- كعادتها؛ تُقيم الإمارات عرضاً إعلامياً كبيراً (شو إعلامي) لافتتاح أيِّ مشروع فاشلٍ كان أو ناجح؛ معتقدين أنّهم بذلك يستطيعون إخفاء الحقائق، واليوم يخرج علينا عيال زايد بذات الـ (شو الإعلامي) لافتتاح أول مشروع طاقة نووية في العالم العربي، مُتجاهلين كل الانتقادات التي وُجّهت للمشروع والمتعلقة جميعها بسلامة الأجزاء المستخدمة في المفاعلات النووية، وخصوصاً تلك المُتعلقة بسمعة الشركة الكورية الجنوبية (KEPCO) التي أنجزت المشروع بتمويل حكومة أبو ظبي، حيث حُكِمَ على كبار مسؤولي السلامة في تلك الشركة بتزوير وثائق خاصة بسلامة الأجزاء المُستخدمة ببناء تلك المفاعلات.
تشرنوبل جديدة
على الرغم من السُمعة السيّئة للشركة الكورية في مجال الطاقة النووية؛ غير أنّ الإمارات أصرّت على التعاقد مع هذه الشركة والسبب في ذلك هو تقديمها أرخص الأسعار، كون مفاعلات الشركة تفتقر إلى "ميزات تصميم السلامة الرئيسية الُمحسنة" وهي التي باتت موجودة في كل المفاعلات النووية المُنتشرة في العالم، الأمر الذي يزيد من مخاطر حدوث تسرب إشعاعي من هذه المفاعلات.
أكثر من ذلك؛ تُعتبر منطقة الخليج من مناطق العالم الأكثر ارتفاعاً بدرجة الحرارة، ومن جهةٍ أخرى من أكثر مناطق العالم افتقاراً للمياه، لذا فإنها تعتمد وبشكلٍ رئيس على تحلية مياه البحر، ومع ما ذكرناه أعلاه من عيوب السلامة التي تعتري المُفاعل الإماراتي، باتت كل مشاريع تحلية مياه الشرب معرضةً لوصول المواد المُشعّة في حال وقوع أي حادث إن كان مُفتعلاً أو طبيعيّاً وهنا سينتج عن الحادث تلوث كبير في محطات تحلية مياه الشرب، ليس في الإمارات وحسب، بل في المنطقة برُمّتها، حيث إنّ هذا المُفاعل مُحاذٍ للحدود السعودية والقطرية، ناهيك عن اندثار الحياة البحرية في مياه الخليج.
بالإضافة إلى ما سبق؛ ونتيجةً للمخاطر المُترتبة على هذا المُفاعل قدّمت وزارة الشؤون الخارجية القطرية احتجاجاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤكدةً فيه أن أيّ تسرّبٍ إشعاعي ولو كان غير مُفتعل من شأنّه أن يصل إلى العاصمة القطرية الدوحة في غضون خمس إلى 13 ساعة، مُضيفةً إنّ أي تسرب إشعاعي سيؤدي إلى تدمير إمدادات المياه في منطقة الخليج بسبب اعتماد المنطقة الكبير على محطات التحلية.
اللعب بالنّار
استثمار الإمارات في المفاعلات النووية الأربعة يُهدد وبما لا يدع مجالاً للشك بمزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج المضطربة أساساً نتيجة الخلافات الجيوسياسية بين دول الخليج المتجاورة وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فالوضع الجيوسياسي المتوتر في الخليج يجعل البناء النووي حتى المدني منه (كما تدعي الإمارات) أكثر إثارة للجدل من أي مكان آخر في العالم، لأنه يعني المزيد من سباق التسلح في المنطقة والسعي نحو امتلاك الأسلحة النووية.
أكثر من ذلك؛ فإنّ التدخلات العسكرية الإماراتية في أكثر من مكانٍ في العالم جعل هذه الدويلة عرضةً لعمليات انتقام شديدة من قبل أبناء الدول التي عاثت فيها الإمارات فساداً (ليبيا، اليمن، الصومال، سوريا، مصر...)، ومن المُمكن أن يُقدم مُتضررون من سياسات الإمارات على الانتقام من تلك المُفاعلات.
وإذا ما نظرنا إلى هجمات الطائرات المسيرة التي أطلقتها حركة أنصار الله والجيش اليمني ضد منشآت النفط السعودية، فلن يكون صعباً عليهم استهداف المنشآت النووية، أو اعتراض وقود اليورانيوم المخصب أو حتى نقل النفايات النووية، وبالطبع فإنّ العمليات العسكرية الإماراتية في اليمن وجرائمها المُتكررة هناك باتت سببا مقنعاً لليمنيين لاستهداف الإمارات، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في العام 2017، حيث أطلق الجيش اليمني صاروخاً على موقع محطة الطاقة النووية الإماراتية، وعلى الرغم من أن الإمارات نفت هذا الادعاء، قائلة إن لديها نظام دفاع جوي قادر على التعامل مع أي تهديد، حسب زعمها، غير أنّ حماية هذه المُنشآت النووية لن تكون مهمة سهلة مُطلقاً.
وفي النهاية؛ فإنّ لجوء الإمارات إلى الطاقة النووية لتوليد الكهرباء كان مُستغرباً من جميع خبراء الطاقة في العالم، فالإمارات ليست بحاجة أصلاً إلى المُفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، خصوصاً وأنها تقع في واحد من أكثر مناطق ارتفاعاً بدرجة الحرارة، وعليه فإنّ الإمارات تمتلك واحدة من أفضل مصادر الطاقة الشمسية في العالم، والاستثمار في الطاقة الشمسيّة أرخص بما مقداره 1/7 من الاستثمار في الطاقة النووية، وبالفعل تبني الإمارات الآن أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، قادرة على توليد 700 ميغاوات، ومن شأنّ هذا المشروع توفير كهرباء رخيصة، وبناءً عليه؛ فإنّ إصرار الإمارات على الطاقة النووية يؤكد النوايا الخفيّة لها، وهو الحصول على الأسلحة النووية، وإشعال سباق تسلح في المنطقة لن يُبقي ولن يذر.