الوقت- كثورٍ ذبيح يلفظ آخر أنفاسه؛ يضرب ذات اليمين وذات الشمال، فلا هو يبقي حيّاً ويرتاح، ولا يموت ويُريح من حوله؛ هكذا هو الحال الذي آل إليه تحالف العدوان السعودي – الإماراتي في اليمن، فبعد خمسٍ عجاف ذاق خلالها اليمنيون صنوف الموت، وبدأ اليمن يتقسم إلى يمنين ورُبّما ثلاثة، تحاول مملكة آل سعود الخروج من هناك، مُخلّفةً ميليشياتٍ هشّة تتقاتل فيما بينها على توزيع الغنائم المنهوبة من الشعب اليمني، واليوم وبعد أن أصبح لآل سعود ميليشياتهم الخاصة بهم، وللإمارات ميليشياتها الخاصة، اتفق تحالف العدوان على تشكيل حكومة "وحدة ميليشياوية" تتحد فيها ميليشيات هادي والانتقالي الجنوبي لإكمال ما بدأه آل سعود وعيال زايد من تخريب لليمن الذي كان يوماً ما يمناً سعيداً.
منذ عامٍ تقريباً، كان المشهد في الجنوب اليمني مُتخبطاً للغاية وخصوصاً في الأماكن التي تُسيطر عليها حكومة هادي أو تلك التي خسرتها لمصلحة ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي والمدعومة إماراتياً، حيث فقدت تلك الحكومة سيطرتها على مدن الجنوب اليمني الواحد تلو الأخرى، فمن عدن إلى أبين والضالع ولحج، وآخر تلك الانكسارات حدثت في الشهر الماضي بعد استولت ميليشيات المجلس الانتقالي على جزيرة سقطرى، لتوجّه بلك ضربة موجعة لحكومة هادي.
السيطرة الكاملة لمليشيات الانتقالي الجنوبي أحدثت حالة من الهلع داخل صفوف حكومة هادي الضعيفة، لتبدأ الأخيرة بإطلاق موجة من الانتقادات ضد تحالف آل سعود وعيال زايد، متهمةً إيّاهم بتسهيل سيطرة تلك الميليشيات على المدن اليمنيّة، والامتناع عن تقديم أيِّ دعمٍ لحكومة هادي لتكون قادرة على تثبيت نفوذها في المحافظات التي تُسيطر عليها.
محاولات اللحظة الأخيرة
"دعم الشرعية" تلك الشماعة التي علّق عليها آل سعود عدوانهم على اليمن منذ يومهم الأول باتت اليمن تفقد مصداقيتها يوماً بعد آخر، ولهذا السبب بدأ نظام آل سعود يُسابق الزمن لتشكيل حكومة تضمُّ بقايا حكومة هادي التي تفككت وخسرت معظم الأراضي التي كانت تُسيطر عليها، بالاشتراك مع ميليشيات المجلس الانتقالي التي تتلقى دعماً غير محدود من حكومة أبو ظبي.
وفي سبيل تشكيل هذا التحالف الهش (هادي والعيدروس) بدأ نظام آل سعود وفي الثاني والعشرون من حزيران الفائت بنشر مراقبين في محافظة أبين لمراقبة وقف إطلاق النار والمساعدة على وقف القتال، ليبدأ بعدها الحديث عن مفاوضات بين الجانبين لتشكيل حكومة مُشتركة، وهنا يظهر الدور الإماراتي لأخذ حصّة الأسد من هذه الحكومة في محاولة جديدة للسيطرة على الأرخبيل اليمني ولكن هذه المرّة بمساعدة من الحكومة "العميلة" التي ستُشارك في تشكيلها.
هذا الضغط السعودي والذي أتى تلبيةً للرغبة الإماراتيّة ربّما ينتهي به الحال إلى تشكيل حكومة يمنية جديدة، إلا أنّ حكومة كهذه لا تُشكّل أيّ ضمانة لدفن الصراع بين الميليشيات اليمنيّة المُتقاتلة حيث إنّ الفجوة واسعة للغاية والتحديات كثيرة بينهما، خصوصاً إذا علمنا أنّ السعي السعودي الجديد يأتي بعد فشل اتفاق الرياض الموقع في العام الماضي والذي نصّ على تشكيل حكومة يمنية مقسمة بالتساوي بين جنوب اليمن وشماله.
أكثر من ذلك؛ فإنّ أمل نجاح تشكيل حكومة تُكتب لها الحياة ضعيف للغاية، خصوصاً أنّ سلوك أطراف النزاع يؤكّد أنهما لا يبحثان عن حلٍ سياسي، بل إنّ الرهان اليوم بين تلك الأطراف يتركّز على الحسم العسكري على الرغم من أنّ الحديث يدور عن تشكيل حكومة مُشتركة.
وعلى هذا الأساس فإنّ الجهود السعودية للخروج من هذا المُستنقع -الذي لا تستطيع الخروج منه كون اليمن يُشكّل الخاصرة الجنوبية لمملكة آل سعود-، ستصطدم بالتعنت الإماراتي الذي يرغب بأحسن الأحوال بتشكيل حكومة "عميلة" تُجاريه في مطامعه في الأرخبيل اليمني، وإلّا فإنّ كل محاولات آل سعود لن تكون أكثر من إضاعة للوقت، فيما الحال سيبقى على ما هو عليه.
إذن؛ هي الفوضى التي تضرب أرجاء اليمن بعد التدخل السعودي – الإماراتي، وشنّه عدواناً كانت عاقبته إحزان اليمن السعيد وتهجير أهله وصناعة أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث كما وصفتها الأمم المُتحدة، وبعد سني الحرب العجاف والتي لا تزال مُستمرة تجد مملكة آل سعود نفسها غارقة في الوحل اليمني فلا هي قادرة على الخروج وتركه يرمم نفسه ولا قادرة على البقاء في ظل الخسارات المهولة التي لحقت بهم خلال تلك الحرب، وأصبحوا يستجدون أيّ حلٍ ليس لإنهاء مأساة اليمن؛ بل لإنهاء مأساتهم هم في اليمن.