الوقت- الحرب السورية المستعرة المفتوحة على جميع الاحتمالات والتي من الممكن أن تُغرق رمالها المتحركة المنطقة برمتها وتشعل فتيل حرب كبرى لا تريدها أي من القوى المتصارعة على الأرض السورية، فبدلاُ من العمل على إيجاد حل سلمي يوقف نزيف الدم السوري ويبعد الدمار عن مابقي من الدولة السورية ومؤسساتها ويبعد شبح حرب كبرى في المنطقة يصل لهيبها الي دول بعيدة نرى بأن بعض الدول التي تلعب دوراُ رئيسياُ في استمرار هذه الحرب تدفع الى المجهول من خلال مخططاتها التي تقوم بالدرجة الأولى على مراعاة مصالحها الاقتصادية والسياسية ونفوذها في سوريا ومستقبله.
تقوم بعض الدول الحليفة للإدارة الأمريكية بإطالة الأزمة السورية من خلال ممارساتها الغير عقلانية والتي لا تراعي مصالح الشعب السوري بل العكس تهدف من خلال ذلك الى تحسين وضعها الداخلي المتزلزل من خلال بعض المكاسب التي تحققها داخل الساحة السورية وعلى حساب الشعب السوري المسكين.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عزم حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بإقامة منطقة عازلة شمال سورية ولكن هذا الحماس الذي أبداه الجانب التركي لتنفيذ هذه الخطوة قابله جمود من الطرف الأمريكي ورفض للمنطقة العازلة التي ترغب تركيا بإقامتها مما أدي الى فتور في العلاقة بين الطرفين ترجمت بسحب بطاريات الباتريوت التابعة لحلف شمال الأطلسي "ناتو" من تركيا، حيث لدى تركيا أهداف عدة تريد أن تنفذها من خلال إقامتها لمنطقة عازلة داخل الأراضي السورية والتي لا توافق الإدارة الأمريكية على أغلبها ليس لحرصها على سوريا أو الشعب السوري وإنما لأنها تستهدف الأكراد الذين تعتبرهم واشنطن حلفاء لها.
أهم الأهداف التركية من إقامة منطقة عازلة في سوريا:
1- استهداف حزب العمال الكردستاني والتضييق على أكراد سوريا لمنعهم من نقل تجربتهم في الحكم الذاتي الى تركيا.
2- إقامة معسكرات لتدريب الجماعات الإرهابية المسلحة وتوفير الدعم الوجستي.
3- جعل المنطقة كفناء خلفي للجماعات الإرهابية المسلحة وقاعدة للإنطلاق باتجاه مدينة حلب.
4- تحقيق الحلم القديم لأردوغان المتمثل بالسيطرة على سورية وتوسيع النفوذ التركي داخل البلدان العربية انطلاقاً من سوريا.
5- التخلص من الأعباء التي يرتبها اللاجئين السوريين على كاهل الحكومة التركية.
سياسة الأنانية لدى الأتراك هذه التقت مع سياسة كل من السعودية وقطر ومصالح الأردن في سعيهم الى إقامة منطقة حظر جوي في الجنوب السوري والتي طال الحديث عنها أيضاً في السابق، ولكن الملك سلمان أعاد تحريك هذا الملف باعتباره الملف الوحيد الذي يؤمن للسعودية نفوذاً على الأرض يضمن لها حصة بعد التقسيم الذي تسعى كل من الدول السابقة بالإضافة الى أمريكا لفرضه على أرض سوريا، ويمنع أيضاً من تدهور الأوضاع في الأردن أكثر مع أقتراب تنظيم داعش الإرهابي من حدوده ومايمثله من تهديد للعمق الأردني بالإضافة الى تقدم الجيش السوري في المناطق الجنوبية وفرار عدد من المسلحين الى داخل الأراضي الأردنية.
وفي هذا السياق تقوم الإدارة الأمريكية بدراسة بعض المناطق في الجنوب السوري على الحدود مع الأردن لترى ما مدى إمكانية تحقيق هذه الخطوة على أرض الواقع.
على الرغم من أن حل المنطقة العازلة أو منطقة حظر جوي ليس بجديد ويعود الى أولى أيام الأزمة السورية وعلى الرغم أيضاً من قناعة بعض الأطراف الإقليمية والعالمية بعدم جدوى هذا الخيار لجهة وجود معارضة شديدة من قبل حلفاء سوريا وقناعة الكثيرين أيضاً بعدم جدوى الحل العسكري في سوريا بعد مضي مايقارب خمسة أعوام على عمر الأزمة في تغير موازين الصراع أو إسقاط الدولة السورية نجد بعض اللاعبين الأساسيين كتركيا والسعودية وقطر مايزالون يدفعون باتجاه عسكرة النزاع في سوريا، وبدلاً من أن يقوموا بالبحث عن حل سياسي أو سلمي للأزمة هناك نجدهم يبحثون عن حلول تعقد النزاع أكثر وتجره الى نفق مجهول، بحيث تزيد من معاناة الشعب السوري المسكين أكثر فأكثر.
الحديث عن أي نوع من المناطق الآمنة أو مناطق حظر جوي فوق الأراضي السورية في ظل سيطرة الدولة والجيش السوري على المدن الكبرى والمناطق الهامة والاستراتيجية فيها لن يساعد على حل الأزمة السورية بل العكس سيكون خطوة أولى على طريق تقسيم الجمهورية العربية السورية الى دويلات متناحرة متقاتلة تغرق في مشكلاتها الداخلية وفي دماء أبنائها، لتبقى ضعيفة مستهدفة لاتقدر على حل مشكلاتها بنفسها ناسیا بأن الكيان الإسرائيلي يحتل جولانها ويغتصب أرض فلسطين المقدسة ويدنس مقدساتها الإسلامية، فالمستفيد الوحيد أولاُ وأخيراً من تقسيم سوريا هو الكيان الإسرائيلي.