الوقت-على الرغم من مرور بضع سنوات على انتهاء دولة الخلافة الإرهابية داعش، فإنّ ملف الإرهاب وحماية الحدود من التهديدات الإرهابية لا تزال قضيّة مهمّة لدى الحكومة العراقية. وفيما يتعلق بالتطورات السياسية والأمنية في العراق، وخاصة فيما يتعلق بملف الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، هناك حساسية خاصة من قبل جميع الجهات الفاعلة المشاركة في الأزمة، ويمكن تقييم السبب الرئيس لأهمية الحدود المشتركة بين البلدين في الوقت الحالي من خلال الممر الذي أنشأه تنظيم داعش المزعوم.
كان للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) خط اتصال بين حكومتها قصيرة العمر في الموصل، عاصمتهم في العراق، والرقة، عاصمتهم في سوريا، وبالإضافة إلى داعش، أعطت القوى الفاعلة المشاركة في الأزمة السورية على الحدود مع العراق، أهمية خاصة للمنطقة الحدودية بين العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، ونتيجة لذلك، نرى أن الحكومة العراقية تسعى حالياً إلى اتخاذ إجراءات جديدة للسيطرة على المنطقة الحدودية بعد تولّي الكاظمي منصب رئاسة الوزراء.
وفي أحدث إجراء قامت بها الحكومة العراقية، أفادت مصادر إخبارية عن اجتماع لقادة جهاز المخابرات العسكرية التابع لوزارة الدفاع لمراجعة الوضع الأمني على حدود البلاد مع سوريا. وبحسب بيان وكالة المخابرات العراقية، ناقش المشاركون آخر التطورات الأمنية في المناطق الحدودية المشتركة بين سوريا والعراق وناقشوا أيضاً الخطط المستقبلية لزيادة الأمن، ومراقبة التحركات المشبوهة للجماعات الإرهابية، لكن الأدلة تُظهر أن الحكومة العراقية تعتزم الى حدّ كبير إجراء تغييرات في هيكلية الجيش العراقي على حدوده مع سوريا.
لكن في هذا السياق، ليس الكاظمي هو الوحيد الذي يتبع استراتيجية لحدود البلاد مع سوريا، بل أيضاً الجهات الأجنبية المشاركة في الأزمة، وخاصة أمريكا، إذ يتّبعون بدقة وتركيز تغيير الترتيب الهيكلي للجيش العراقي على الحدود مع سوريا.
اعتبارات استراتيجية للجهات المتنافسة على الحدود العراقية السورية
يتقاسم العراق وسوريا حوالي 605 كيلومترات من الحدود البرية، ومعظمها متاخم لمحافظتي دير الزور والأنبار، وفي ظل الوضع الجديد، ووسط المعادلات الغامضة للمنافسة على فرض السيطرة على المناطق الحدودية المشتركة للبلدين، يمكن حصر القوى التنافسية على الحدود بقوتين فقط. بالدرجة الأولى، يمكن تقييم الفصائل الموجودة في محور المقاومة، نتيجة المعادلات الجديدة في أزمات ما بعد داعش، أنها حلقة وصل رئيسة بين الارتباط الاستراتيجي والتأثير في المنطقة على الحدود المشتركة بين البلدين.
وفي مقابل فصائل المقاومة، هناك أمريكا والكيان الصهيوني وبعض الدول العربية في المنطقة، التي تريد السيطرة على المناطق الحدودية بين العراق وسوريا من خلال قوات عسكرية مستقلة عن الحشد الشعبي.
في الواقع، هدف هذه الأطراف النهائي هو إدارة الحدود المشتركة بين البلدين من قبل قوات الجيش العراقي، وبالتالي السيطرة على ما يسمى تأثير محور المقاومة في منطقة غرب آسيا. وعلى الرغم من أن هذه القضية لم تكن موجودة إلى حد كبير في الوضع قبل ظهور تنظيم داعش، لكن في الحقبة الجديدة، فإن مسألة إدارة الحدود المشتركة بين العراق وسوريا مهمة للغاية بين مؤيدي ومعارضي محور المقاومة.
محورية المنافسة على معبر القائم - البوكمال الاستراتيجي
نظرا إلى صراع قطبين مختلفين على الحدود المشتركة، يمكن تقييم المنافسة الاستراتيجية الحالية بين الأطراف المنتفعة بالمعادلات الحدودية بين سوريا والعراق، تكمن عند معابر القائم والبو كمال الاستراتيجية.
يقع ممر البوكمال في محافظة دير الزور في سوريا، جنوب نهر الفرات، في أقصى نقطة في جنوب شرق سوريا، ويقع ممر القائم في محافظة الأنبار، غرب العراق، حيث يتقاطع المعبران. وتم إغلاق هذا المعبر الهام منذ بداية ظهور تنظيم داعش في عام 2013 وأعيد فتحه في أواخر سبتمبر 2019.
بتحرير المنطقة من سيطرة داعش وحماية المناطق حول المعبر الحدودي، لعبت قوات الحشد الشعبي دوراً ملحوظا لا يمكن إنكاره، حيث كان هذا المعبر والمناطق الصحراوية المحيطة بها محمية من قبل هذه القوات حتى بعد انتهاء خلافة داعش بشكل رسمي، لكن في ظل الوضع الراهن، تعتزم أمريكا والكيان الصهيوني إقناع مصطفى الكاظمي من خلال فرض ضغوط عليه، لإدارة هذا المعبر الهام والمناطق المحيطة به، والتي تلعب دوراً حيوياً في ضمان الأمن والتجارة بين سوريا والعراق، من قبل قوات الجيش.
وعلى الرغم من أن هذا الطلب والاستدلال لا يبدو أنهما منطقيان من الأساس، فإن الشيء المهم بالنسبة لهم هو تفكيك القواعد العسكرية التابعة لقوات الحشد الشعبي في المناطق المتاخمة للحدود السورية، بمعنى آخر، يريد الأمريكيون إبعاد قوات الحشد الشعبي من الحدود العراقية. وتسعى واشنطن تحقيق أربعة أهداف رئيسة من خلال هذا الأمر:
1- إضعاف مكانة قوى الحشد الشعبي من الناحية الجغرافية الاستراتيجية والسياسية في العراق.
2. إبعاد الحشد الشعبي من الحدود يمكن أن يوفر لأمريكا الفرصة لإعادة إحياء تنظيم داعش وخلاياه واستخدامهم كأداة للبقاء في العراق.
3- خلق انقسامات وانشقاقات بين القوات العسكرية العراقية من خلال جعل قوات الحشد الشعبي مقابل الحكومة وقوات الجيش.
4. يمكن عد الهدف الآخر لأمريكا من خلال مساعيهم لإضعاف وقطع حلقة وصل محور المقاومة في المنطقة، وهذا السيناريو بالتأكيد يشبه قصة كوميديا سخيفة.