الوقت- يبدو أنّ الثقل الأمريكي فرض نفسه على وزارة الخارجية اللبنانية، حيث كان من المقرّر "استدعاء" وزير الخارجية ناصيف حتّي للسفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا، على خلفيّة تصريحاتها الإعلاميّة الأخيرة، والتي حرّضت من خلالها ضدّ حزب الله اللبناني وأتت تبحث عن فتنة داخلية، إلا أن المفاجئ أنّ الاستدعاء الذي وجّهه وزير الخارجية ناصيف حتي للسفيرة الأمريكية لم يكن على قدر آمال الشعب اللبناني وتوقعاته، حيث تحوّل الاستدعاء إلى ما يشبه "الاعتذار"، وهكذا خُذل الشعب اللبناني مرّة جديدة من السلطة.
الاستدعاء كان بشأن مناقشة القرار القضائي الذي صدر أخيراً من القاضي محمد مازح، بمنع وسائل الإعلام المحلّية، من إجراء أيّ مقابلة مع السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا، لمدّة عام، متوعّداً من يخالف بالإيقاف لمدّة عام، ودفع مئتي ألف دولار غرامة، وبالفعل حضرت شيا إلى مقرّ الوزارة لتخرج من الاجتماع مع الوزير حتي أكثر جرأة وتسكت الصحفيين وتمنعهم من طرح الأسئلة، وأعلنت أنّ "صفحة القرار القضائي الذي أصدره قاضي الأمور المستعجلة في صور قد طُويت، على أن يصبّ التركيز في الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد".
كما أشارت إلى إيجابية الاجتماع وإلى أنّ "العلاقات الثنائيّة بين البلدين ستبقى ثابتة، وأمريكا ستستمر في مساعدة لبنان ما دامت الحكومة اللبنانية تتخذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة للخروج من أزمتها".
من جانبها قالت وزارة الخارجية في بيان لها: إنّ "وزير الخارجية ناصيف حتي "شدّد خلال اللقاء على حرية الإعلام وحقّ التعبير اللذين هما حقّان مقدّسان"، بحسب وكالة رويترز.
ما صرّحت به وزارة الخارجيّة يظهر لنا بوضوح أنّ الضغط الأمريكي كان أقوى من آمال اللبنانيين، وأنّ الخارجية اللبنانية لا تريد المزيد من العقوبات الأمريكية أو مواجهة واشنطن وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية اللبنانية، وهذا الانكفاء سيترك آثاراً سلبية في المستقبل القريب على لبنان وقراره المستقل، فالسفيرة تتعاطي مع لبنان بطريقة متعالية وفوقية تظهرها وكأنها صاحبة القرار في لبنان، وما حصل في مبنى وزارة الخارجية أكّد ذلك، حيث بدت السفيرة الأمريكية "معزَّزةً مكرَّمة" في وزارة الخارجية، بل إنّ البيان الرسمي الذي صدر عن الوزارة خلا من أيّ إشارةٍ إلى تصريحات شيا.
قد تكون الكلمات المقتضبة التي نطقت بها السفيرة الأمريكية، ونقلتها جميع وسائل الإعلام، بما فيها تلك المناهضة لأمريكا، خلافاً للقرار القضائيّ المذكور، كافية لاختصار "مغزى" اللقاء، الذي سُمّي "استدعاءً".
شيا قالتها صراحةً: صفحة القرار القضائيّ طويت، قد يكون هذا بالتحديد ما تبلّغته في لقائها مع حتّي، بعيداً عن كلّ التسريبات الإعلاميّة المُبالَغ بها، وقد يكون هذا بالتحديد ما أرادته الحكومة من "الاستدعاء"، بعد "الإرباك" و"الضياع" الذي عاشته خلال عطلة نهاية الأسبوع.
طُويت الصفحة، من دون أن "تُساءَل" السفيرة على تصريحاتها التي كانت "تحريضيّة وفقاً للمعايير الدبلوماسية ومعاهدة فيينا.
إذن.. الخارجية فتحت الأبواب أمام التحريض ضد "حزب الله"، ومن هنا لن نستغرب أي تصريح جديد أكثر خطورة بحق اللبنانيين وسلمهم الأهلي، صحيح أنّ حزب الله هو المستهدف بشكل علني من قبل واشنطن لكن في الحقيقة لبنان بمجمله هو المستهدف، وما تريده أمريكا هو حرب أهلية، تكون مقدّمة لإضعاف حزب الله ومن ثم توجيه ضربة إسرائيلية له قبل خسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، واستغلال انشغال الحزب بأزماته الداخليّة، لكن حكمة حزب الله حالت دون حصول ذلك.
كيف تعمل أمريكا على استهداف "حزب الله"؟
أوّلاً: العمل على إخراج مُمثّلي "حزب الله" من السُلطة التنفيذيّة، والسعي لإضعاف نُفوذه في الدولة اللبنانيّة ككلّ، وهذه المُحاولة تمّت في الماضي القريب عشيّة تشكيل حُكومة الدُكتور حسّان دياب، وهي ستتكرّر بضغط أكبر، عند استبدال هذه الأخيرة في المُستقبل.
ثانياً: العمل على تغيير قواعد اللعبة في الجنوب اللبناني، من خلال السعي لتعديل مهمّات القوات الدولية العاملة في لبنان، بحيث تُصبح أكثر فعّاليّة وجدّية في تنفيذ القرار1701 وغيره من القرارات، ويرفض "الحزب" أيّ تعديل لمهمّات القوّات الدَوليّة العاملة في الجنوب، وهو يعمل على التجديد لهذه القوّات وفق الاتفاقات السابقة دون أيّ تغيير، كما أنّه جاهز عبر "الأهالي" لمنع هذه القوّات من القيام بعمليّات دهم وتفتيش لا يُوافق عليها، أو تُعرّض بنيته العسكريّة واللوجستيّة للانكشاف.
ثالثًاً: ربط المُساعدات الدَولية للبنان بسلسلة من الشروط السياسيّة، منها تعديل سلوك حزب الله ونزع سلاح المقاومة وهو أمر مرفوض لدى الحزب وجمهوره، ولن تتمكّن أمريكا من القيام بهذه الخطوة، لأنها تعلم جيداً أنّ "اسرائيل" ستكون في موقع خطر مؤكّد في حال تمّ تحريك هذا الملف بشكل فعلي، وسيوجه الحزب سلاحه نحو إسرائيل وحينها لن تكون هناك مدينة إسرائيلية بمأمن من صواريخ حزب الله، ومؤخراً نشر الإعلام الحربي المركزي التابع للمقاومة اللبنانية، مقطع فيديو في الأيام الأخيرة يظهر مشاهد من إحداثيات مواقع مهمة للكيان الصهيوني تحت عنوان "أُنجز الأمر"، وصاحب الفيديو مقاطع صوتية للسيد حسن نصرالله يتحدث فيها عن قدرة حزب الله بضرب "أهداف محدّدة جداً" في أي مكان في الكيان الصهيوني ، وردّاً على ذلك ، كتبت إحدى الصحف الصهيونية: إنّ حزب الله على دراية جيّدة بالحرب النفسية، ونجح حزب الله في استكمال مشروعه للصواريخ النقطوية.
يبدو أن هدف حزب الله اللبناني في نشر شريط الفيديو هذا، الإعلان عن الانتهاء الناجح من مشروع الصواريخ النقطوية، وبناء على ذلك ، فإن قدرة حزب الله العسكرية ستسبّب الذعر للصهاينة أكثر من أي وقت مضى.
رابعاً: تطبيق سياسة مُتشدّدة تهدف إلى خنق "حزب الله" مالياً، عبر توسيع الجهات المُتضرّرة من"قانون قيصر" في سوريا والذي يستهدف في جزء منه "الحزب"، وكذلك عبر توسيع دائرة المُلاحقات التي تطول رجال الأعمال والمُتموّلين اللبنانيّين في الخارج الذين يُحوّلون أموالًا ويُقدّمون مساعدات لمؤسّسات تابعة لمحور المقاومة.
خامساً: تغيير واضح في اللهجة الدبلوماسيّة الأمريكيّة، حيث إنّ سفيرة واشنطن الجديدة لدى بيروت، تعتمد سياسة إعلاميّة هُجومية ومن دون قفّازات بوجه "الحزب"، وتُحمّله مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في لبنان من انهيار، وتُحاول إثارة النقمة الشعبيّة عليه، إلخ.
ويبدو أنّ هذه السياسة ستستمرّ في المرحلة المُقبلة، بقرار مركزي، وليس بسبب اختلاف في شخصيّة وطباع رئيسة البعثة الدبلوماسيّة في لبنان.