الوقت- بات الخوف يخيم على المشهد الثقافي و السياسي في تركيا خلال هذه الفترة من الزمن، فنرى اليوم سياسة حجب الصوت و الغاء الآخر التي يتبعها أردوغان ومن معه من السلطويين في حزب العدالة والتنمية تصل الى أعلى المستويات. وإذ يكرر أردوغان في كل مكان وزمان ان تركيا "تتمتع بالصحافة الاكثر حرية في العالم"، تنفي الوقائع و الحوادث التي برزت خلال العامين الماضيين هذه المقولة و تثبت أن الحرية الإعلامية في تركيا تقع بين فكي السلطة مقيدةً بالممنوع والمسموح.
فحادثة إغلاق الصحيفة التركية "نقطة" واعتقال رئيس تحريرها لم تكن الإنتهاك الأول لحرية الصحافة في تركيا، ففي الأعوام الأخيرة زاد وبإسم الديمقراطية التعدي على هذه الحرية و الضغط على الصحفيين للتخلي عن كتابتهم في قضايا حساسة، فأصبح الإعلام ملعباً لتصفية الخلافات السياسية وأصبحت وسائل الإعلام المتواجدة تعمل على قواعد معينة مسبقاً وضمن تواجهات فرضتها سياسة حزب العدالة والتنمية.
وفي هذا السياق يذكر المحللون أن أحداث جيزي بارك 2013 م قد عرّت وكشفت الوجه الحقيقي للحريات في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وأكدوا على أن الواقع قد تدهور في حرية الاعلام بحيث لم يعد الاعلامي يعمل بكل حرية، فمن ينتقد الحكومة اصبح يتعرض لمضايقات، مشيرين الى ان الكثير من الصحفيين خسروا عملهم بسبب ذلك.
وفي العام الحالي، ولأجل إجلاء الصورة و بيان الحقيقة نعرض بعض الأحداث و الآراء التي رسمت علامة استفهام كبيرة حول مصير الصحافة المستقلة في ظل الحكم الحالي في تركيا، فنذكر مثلاً حادثة صرف الكاتب الصحافي التركي قادري غورسيل بقسوة بسبب "تغريدة" انتقدت الرئيس رجب طيب اردوغان، لينضم بذلك الى لائحة طويلة من ضحايا الحرب التي يخوضها النظام التركي ضد الاعلام المستقل.
وفي الاسبوع الفائت هدد الكاتب جام كوتشوك في صحيفة ستار المقربة من النظام الكاتب في صحيفة حرييت احمد هاكان بالقتل متهما اياه بدعم حزب العمال الكردستاني. وكتب "يمكن سحقك كالذبابة...لست على قيد الحياة الا لشعور بالشفقة عليك".
وأحد الأحداث الأخرى اتهام صحيفة حرييت بتحوير اقوال اردوغان فاستهدف مقرها في اسطنبول قبل ايام بهجومين نفذهما متظاهرون هتفوا تأييدا للرئيس، كما وقد اوقف ثلاثة صحافيين اجانب، هما بريطانيان وهولندية، كانوا يغطون النزاع مع الاكراد وطردوا من البلاد.
والإثنين كانت الحادثة التي هزت الواقع التركي والتي تمثلت باغلاق مجلة "نقطة" التركية واعتقال مدير تحريرها مراد جابان ازاء نشرها على غلاف عددها الصادر هذا الأسبوع صورة تظهر الرئيس رجب طيب أردوغان وهو يلتقط صورة سيلفي (ذاتيّة) أمام جنازات الشهداء، هذه الصورة التي بحسب أقوال مُستوحات من صورة مركبة مشابهة نشرتها صحيفة “ذي غادريان” البريطانية عام 2013، يبدو فيها رئيس الوزراء السابق توني بلير وهو يلتقط لنفسه “سيلفي” أمام دخان أسود متصاعد ناجم عن تفجير خلال حرب العراق. وأوضح رئيس تحرير المجلة جوهري جوفين عبر بيان نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي أن السلطات التركية حظرت توزيع المجلة وأمرت بمصادرة وجمع الأعداد الموزّعة. وقال جوفين في بيانه: “يا بلدي الحر! لم ترفع حتى دعوى قضائية في البلد الذي نشرته فيه مجلةٌ صورة توني بلير هذه على غلافها”.
كما فالثلاثاء فتح القضاء التركي تحقيقا ضد مجموعة دوغان الاعلامية الكبرى التي تملك خصوصا صحيفة حرييت بتهمة القيام "بدعاية ارهابية" كما افادت وكالة انباء الاناضول. واوضحت الوكالة أن المجموعة متهمة بنشر صور غير مموهة لجنود اتراك قتلوا خلال الهجمات الاخيرة التي نفذها متمردو حزب العمال الكردستاني ضد القوات الامنية في جنوب شرق البلاد، وبانها في المقابل موهت صورا اخرى لمتمردين اكراد.
وكانت للمؤسسات غير الحكومية آراء عدة نذكر أهمها قول يوسف كانلي المسؤول عن جمعية الصحافة من اجل الحرية التي يمولها الاتحاد الاوروبي "لا امل اطلاقا، حرية الصحافة تتراجع في تركيا". واحصت جمعيته في الشهرين الاخيرين تسريح 140 صحافيا على الاقل.
وافادت الاستاذة اصلي تونج من جامعة بيلغي في اسطنبول "انها عملية تطهير، لا اكثر ولا اقل"، تجريها "الحكومة بتعاون بعض ارباب الصحافة قبل الانتخابات".
ولفتت كارين دويتش كارليكار من مركز بين الاميركي الى انه "مع اقتراب موعد الانتخابات يستمر هامش حرية وسائل الاعلام في التراجع بوتيرة مقلقة".
وقال استاذ وسائل التواصل قرقماز عالمدار "لا يمكن الحديث عن حرية الصحافة في هذا البلد"، موضحا ان "هناك عددا من المواقع الاخبارية المستقلة لكن الجمهور الواسع لا يعرفها".
أيضاً علّق انجين التاي، النائب عن المعارضه الديموقراطيه الاشتراكيه، «ساخرا»، ان «انتقاد اردوغان اصبح الجريمه الاكثر خطوره في تركيا».
هذه المعطيات التي تشكل جزءً صغيراً مما يتعرض له الإعلام في تركيا تتيح لنا الإجابة عن سؤالنا "ما واقع الحرية الإعلامية في تركيا؟" بالقول أن تركيا تُحكم ديكتاتوريا باسم الديمقراطية، وأن الحرية الإعلامية مقيدة، فممارسات السلطة تنفي إدعاءتها بالحرية الإعلامية، والشعب منقسم بين قسمٍ تابع للسلطة يلتزم قرارتها مسلوب منه الحق في إبداء رأيه، وآخرٍ حر خلف قضبان السجون أو خائف قد كُسر قلمه لا يحق له الإعتراض وإلا فمصيره كمصير من سبقه إما الطرد أو السجن، فماذا بعد والى أين سيصل أردوغان ومن معه في ممارساتهم المجحفة وهل للحرية من خلاص؟