الوقت- يواصل الكيان الإسرائيلي اعتداءاته بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى، في تصعيد غير مسبوق منذ عام 1969، وضمن إطار التهويد والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الذي يعتبر أهم رموز القضية الفلسطينية. إعتداءات القوات الإسرائيلية على المصلين في باحات المسجد، وإطلاق المئات من قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع باتجاه المعتكفين في المسجد، يأتي بالتزامن مع سعي حكومة الکيان لفرض أذرعها الاستيطانية وسيطرتها على مدينة القدس والمسجد الأقصى، لتأصيل التهويد على الأراضي الفلسطينية.
الكيان الإسرائيلي يحاول حالياً فرض أمر واقع جديد في الأقصى، بغية تحقيق السيادة الإسرائيلية المطلقة على المسجد، ولهذا الغرض يواصل إعتدائه على المسجد منذ أكثر من خمسة أيام تحت ذريعة عيد رأس السنة العبرية وإفساح المجال أمام المستوطنين. إلا أن اقتحام المسجد ومحاولة إحراقه والدماء التي سالت في باحاته من الشباب الأبطال المرابطين لحماية قبلة المسلمين الأولى، أعادت إلى ذاكرة المسلمين والفلسطينيين يوم21 أغسطس/آب 1969 حين أضرم يهودي أسترالي النار فيه، ولكن حينها تصدّر الحادث المؤلم الأولويات العربية، ولكن اليوم كما تشاهدون!
لا ريب في أن الهدف من وراء الإعتداءات الأخيرة هو حسم أمر السيادة على القدس عبر جعلها شأناً إسرائيلياً حصرياً، وأن حكومة نتنياهو مصممة على التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وعلى منع المرابطين من التواجد فيه، لتحكم بمفاتيح المسجد الأقصى؛ بعبارة أخرى تريد تل أبيب أن تكون صاحب القرار بحق العبادة حتى، على حد تعبير الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات "حنا عيسى".
ولكن عند مطالعة الأساليب الإسرائيلية المعتمدة في التعاطي مع الفلسطينيين، يظهر جلياً أن هدف تهويد القدس والتقسيم الزماني والمكاني، يحمل أيضاً جملة من الاهداف سيحاول الکيان الإسرائيلي تحقيقها في الفترة المقبلة.
ورغم عدوانية هذا الإعتداء، إلا انه لم يكن بعيدا عن المخطط طويل الأمد للوصول إلى تهويد القدس، وبناء المعبد المزعوم لاحقا، حيث يمكننا القول إننا لسنا إلا في منتصف الطريق، فعند مطالعة سير الإعتداءات على المسجد الأقصى في ظل غيبوبة الوطن العربي، يتضح أن المخطط الإسرائيلي يتجه إلى ما نحن عليه اليوم، فقد روّجت قوات الکيان الإسرائيلي منذ فترة للإعتداء الثنائي من قبل الجيش والمستوطنين بعد أن كانت المرحلة السابقة في أغلبها تقتصر على المستوطنين. ولا شك في أن المرحلة المقبلة ستحمل رسائل أكبر تصل إلى محاولات تهديم المسجد الأقصى، فماذا ستفعل الدول العربية حينها؟
وبصرف النظر عن المخططات الإسرائيلية التي تحاول الإستفادة من الأوضاع التي تعصف بالمنطقة، وإنشغال العديد من الدول العربية بأوضاعها الداخلية بالتزامن مع تخاذل العديد من الأنظمة مع حكومة نتنياهو، فمن جملة الاهداف التي تريد تحقيقها الحكومة الإسرائيلية، هي إظهار المستوطنين على هئية مظلومين يُعتدى عليهم من قبل الشعب الفلسطيني لإستثمارها في الخارج. فالكيان الإسرائيلي يحاول الإستفادة من أي إعتداء على المستوطنين سواء في المسجد أو في القدس أو حتى في الضفة وأراضي الـ48 للإستفادة منها في الإعلام الدولي، في سبيل رفع الحظر القائم على البضائع الإسرائيلية من قبل العديد من الدول الأوروبية تارة، والمضي قدما في مشروع السيطرة على القدس أخرى.
لا ندري إذا ما كان يخطط نتنياهو لحرب جديدة عبر سيناريو "خطف مستوطنين" يظهر هذه الدولة العدوانية على شاكلة "حمل وديع"، ولكن ربما تحاول السلطات الإسرائيلية أن تشن عدواناً يحقق التقسيم الزماني والمكاني، والسيطرة على القدس، خاصةً أن القيادات الإسرائيلية تعي حق المعرفة أن الظروف العربية مؤاتية جداً لأي هجوم عسكري، في ظل إنشغال سوريا بمواجهة الإرهاب وإبتعاد حركة حماس بشكل جزئي عن محور المقاومة وتواطئ العديد من الدول العربية في المؤامرة الإسرائيلية، وهذا ما أظهرته بعض اللقاءات المشتركة في الآونة الأخيرة، لتقطع الشك باليقين في ذلك.
إن مشاهد الشباب الأبطال في الأقصى وهم يواجهون آلة القتل الإسرائيلية، رغم صعوبتها علينها، إلا أنها تبعث الامل في نفوس الأمتين العربية والإسلامية، وتضع حركتي فتح وحماس وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية أمام مسؤولية كبرى في التعاون والإلتحام أمام المخططات الإسرائيلية، ولكن للأسف شاهدنا بالأمس قوات الأمن الفلسطينية تواجه المتظاهرين في جنين بدلاً من المعتدين في القدس المحتلة، وعباس هدد بوقف التنسيق الأمني، ليس اليوم، بل آخر الشهر في خطوة تهدف لإمتصاص غضب الشعب الفلسطيني. فالتنسيق الأمني اليوم بات دوّامة "إسرائيلية" تبتلع موجات الغضب بالأقصى، بإعتباره يمنع التظاهر عند نقاط التماس، ويمنع شن عمليات فدائية ضد الکيان الإسرائيلي. بإختصار، يقف التنسيق الأمني عقبة هائلة دون التصعيد المطلوب لردع الکيان كما ينبغي، وهو الذي يشل المقاومة في الضفة الغربية للرد على اقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك، فلا بد من رفعه وإطلاق العنان للمقاومة في الرد، بعد حوالي 10 سنوات على فشل أسلوب عباس في الضفة الغربية، سواءً في منع الإستيطان أو في وقف الإعتداء على القدس والشعب الفلسطيني.