الوقت_ أثارت تصريحات الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" الجدل، بعد إعلان بلاده رفض الاستدانة من صندوق النقد الدولي، رغم ماتعاني منه الجزائر من أزمة مالية، ناجمة عن انهيار أسعار النفط العالمية وأزمة فيروس كورونا المستجد وما تبعه من إجراءات احترازية، وخلال اجتماع مع وسائل الإعلام الجزائرية، أمس الجمعة، قال الرئيس الجزائري أنَّ بلاده لن تذهب للمديونية عن طريق طلب قروض من صندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الدولي، واعتبر تبون أنَّ المديونية تمس بالسيادة الوطنية، وأوضح أن الجزائر عاشت تلك التجربة في بداية التسعينيات، حينما اقترضت بشكل كبير من صندوق النقد الدولي.
وتعتمد الجزائر بشكل أساسي على إنتاج النفط والذي يشكل نحو 90% من إيرادات صادراتها، وقد أدت أزمة انهيار أسعار النفط الناجمة عن تراجع الطلب جراء أزمة تفشي كورونا المستجد، واستعار حرب الأسعار بين السعودية و روسيا، إلى حصول أزمة اقتصادية في الجزائر، في حين تراجعت احتياطها من النقد الأجنبي إلى 62 مليار دولار في نهاية العام 2019، مقارنة بـ180 مليار دولار عام 2014.
لكن الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" بين أنَّه يفضل الاقتراض من المواطنين الجزائريين على أن يقترض من صندوق النقد الدولي أو بنوك أجنبية، كما أعرب عن نفوره من الاقتراض مبيناّ أن ذلك سيحول دونَ أن تؤكد الجزائر موقفها بشأن قضايا عدة، بينها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية، وذكر تبون أن دولاً سماها بالـ"صديقة" عرضت قروضاً على بلاده وقوبلت بالرفض في الوقت الحالي، دون أن يحدد تلك الدول، واستبعد الاعتماد على زيادة طباعة العملة الوطنية من قبل المصرف المركزي، مشيراً إلى أن ذلك قد يتسبب بارتفاع نسب التضخّم في البلاد.
وسنشير هنا إلى الأسباب التي يمكن أن تكون مبرراً لرفض الرئيس الجزائري الاستدانة من صندوق النقد الدولي :
أولاً: منذ السبعينيات سعت البنوك والمؤسسات المالية والنقدية الدولية، وبتشجيع من صندوق النقد والبنك الدولي، إلى إغراء "الدول النامية" للاقتراض بسخاء شديد، مدعية أنها ستمكن تلك الدول من زيادة وارداتها وسد العجز في موازين مدفوعاتها، ومع هذه الإغراءات تصاعد حجم الديون المستحقة لتلك البلدان بصورة دراماتيكية، ومع ارتفاع الديون ارتفعت الفوائد، حتى وصلت إلى أكثر من نصف ما يجب أن يسدد سنوياً، وحين عجزت بعض الدول عن السداد كمصر مثلاً، تولى صندوق النقد والبنك الدولي مع منظمة التجارة والتنمية في الأمم المتحدة "الأونكتاد" التوسط بين الدول المدينة والدائنين من أجل جدولة ديونها، وبناء على ذلك يتم توزيع أقساط الدين على عدد أكبر من السنوات، مع زيادة فائدة أخرى على الأقساط الجديدة، وتكون فائدة التأخير تلك أكبر من سعر الفائدة الأصلي الذي تم به الإقراض، وتدور الدائرة مرة أخرى.
ثانياً: عندما تعجز بعض البلدان عن سداد ديونها بشكل مطلق، تتدخل المنظمات الدولية لتتولى بنفسها تنظيم مالياته تحت مسمى إصلاح النظام الاقتصادي، فصندوق النقد الدولي يعني ببرامج التكيف وسياسات الإصلاح النقدية والمالية، والبنك الدولي يعني بدفع التنمية و بالتالي تتدخل الدول الغربية في كافة شؤون الدولة العاجزة عن السداد على جميع الأصعدة الاقتصادية و التعليمية و السياسية و الحكومية و الثقافية.
ثالثاً: إن أبرز الشروط التي يفرضها صندوق النقد والبنك الدولي على تلك الدول، إقامة سوق تجارية للنقد الأجنبي يبعد سيطرة الدولة على سعر صرفه، وٕيلغي القيود المفروضة على الواردات، ويشجع الاستثمارات الأجنبية بإعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية، وٕيمدها بالأراضي ومصادر الطاقة والمواد الخام بأسعار زهيدة، ويسمح لها بتحويل أرباحها إلى الخارج وتصفية أعمالها متى تشاء، وفي الغالب يكون للصندوق ممثل يقيم في الدولة المدينة، ويشترط الصندوق أن يكون مقره في البنك المركزي أو وزارة الخزانة لكي يراقب عن قرب تطور الأحوال السياسية والاقتصادية داخل البلد المدين، وبذلك تستخدم الشروط في حقيقتها كل الوسائل لإنهاك البلد الذي وقع في شباك الاستدانة والقروض، فتستنزف موارده وأسواقه، وتخرب صناعات البلد وتجاراته، عدا عن مايحدثه من اضطراب وفوضى وقلق الاجتماعي.
رابعاً: إن انفتاح الاقتصاد من خلال إزالة القيود عن التجارة الخارجية يجعل منتجات الاستثمارات الأجنبية تدخل البلدان المستدينة بأسعار زهيدة مقارنة بالمنتجات المحلية عالية التكلفة فبالتالي يتوجه المواطنون لشراء المنتج الأجنبي عوضاً عن المحلي، ما يؤدي مع الوقت إلى تدهور الصناعة المحلية و إفلاسها و تسريح العمال و زيادة البطالة، فإلغاء القيود على الواردات وتشجيع الاستثمارات الأجنبية هو فتحٌ لحدود الدولة أمام غزو الشركات الاحتكارية لتعصف بالصناعات والتجارات المحلية، وتحويل البلد المدين إلى سوق كبيرة لتصريف ما تنتجه تلك الشركات.