الوقت-لقد أدى انفصال مجموعة من الأشخاص المقربين من رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان في عام 2000 بسبب الخلافات حول الأسس السياسية وعدم فسح المجال امام صعود الشباب، إلى تشكيل حزب آخر أصبح في وقت لاحق أقوى حزب في الساحة السياسية التركية من خلال شعاراته الجديدة والتأكيد على ضرورة توظيف امكانيات ومؤهلات الأكفاء والمتخصيين.
وعلى الرغم من أن جميع مؤسسي هذا الحزب خرجوا من تحت عباءة اربكان وكانوا من ذوي التوجه الإسلام السياسي، فقد تمكنوا في وقت قصير من تأسيس قاعدة شعبية كبيرة لهم لأنهم لم يكن لديهم اي خلاف حول الهوية والخطاب القومي التركي واستطاعوا كسب العديد من الشخصيات. ولكن على ما يبدو مرة أخرى، ان تركيا أخذت تتجه بقوة الآن نحو القومية التركية وهي عالقة في هذا المأزق. ومع ذلك يمكن القول، أنه في السنوات القليلة الماضية، أصبحت "القومية" أهم عنصر في الخطاب السياسي التركي، وهو ما يتعارض مع الأهداف الرئيسية لحزب العدالة والتنمية.
تصريح عبدالله غول الخطير حول حزب العدالة والتنمية
أوضح رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول وأحد أبرز مؤسسي حزب العدالة والتنمية، في مقابلة مؤخرة مع صحيفة القرار، انتقاداته ووجهات نظره الواضحة بشأن انحراف حزب العدالة والتنمية عن مساره ومبادئه الرئيسية، قائلاً: "إننا نشهد الآن تحول المحافظون الى قوميون".
ان خطاب غول المهم حول الوضع الحالي لحزب العدالة والتنمية تدل على ان الحزب كان في بداية مساره يحمل مفاهيم مثل المجتمع الإسلامي، خدمة الشعب، العدالة، الازدهار، وتحقيق العدالة للمظلومين والمهمشين، ولم يكن هنالك أي اهتمام تجاه مبادئ الهوية التركية القومية والحس العرقي في هذا الحزب. لكن يتضح الان أن رجب طيب أردوغان وفريقه شرعوا في مسار يبدو أنه استمرارٌ للعثمانيين والسلاجقة والتركيز على القوة التركية.
هل اردوغان مجبور؟
في السنوات الأخيرة الماضية، واجه حزب العدالة والتنمية انخفاضاً في شعبيته وخسر العديد من الأصوات بسبب غطرسة ونرجسية ثلة كبيرة من مسؤوليه وشخصياته. ونتيجة لذلك، اُجبر الحزب للذهاب نحو الحركة القومية التركية الأكثر تطرفاً والأخذ بمعونتها حفاظا على السلطة.
ولطالما روج هذا الحزب اليميني الراديكالي، الذي يديره دولت باخجلي، لفكرة القومية التركية، ووجه الإتهامات لحزب العدالة والتنمية مرارًا وتكرارًا بسبب التفاوض مع حزب العمال الكردستاني والاستجابة لمطالب الأكراد في دعم الإرهاب والانفصالين.
لكن عجلة الزمن دارت وأصبح أردوغان يلتقط صوراً في حديقة باخجلي بجانب تمثال الذئبين، أي الـ"بوزكورت"، الذي يرمز الى أساطير الأتراك المتطرفين. في حين لم يرضى اربكان وبقية الإسلاميين الذين كانوا على نهجه، عن التوافق مع هكذا حزب.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ان أردوغان مجبور أن يبقى بجانب باخجلي؟ الجواب هو ان الحفاظ على بقاء حزب العدالة والتنمية في أوج النظام السياسي والحزبي في تركيا، هو أكثر أهمية بالنسبة لأردوغان من أي مبادئ وأهداف ومشاريع أخرى، ويفضل الاحتفاظ بالسلطة حتى اذا تطلب الأمر الإبتعاد عن شعارات ومبادئ الحزب الأساسية بقدر ملموس وواضح.
زمان التدخل العسكري وتوسيع السلطة
لطالما سعى حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحدثين الرئيسيين، أي الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016 وكذلك تغيير النظام السياسي والتنفيذي في البلاد من برلماني إلى رئاسي، إلى تعزيز السلطة والنفوذ وإظهار قوته.
وفي هذا المسير، أصبح النُقّاد والمعارضين يُصَنفون في خانة الخونة، وأخذت وسائل الإعلام الموالية للحزب الحاكم تروج بأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على تركيا وإنقاذها ومنع البلاد من التعرض للخطر هي الثقة في الرئيس لاستخدام القوة العسكرية.
ونتيجة لذلك، تدعم جميع الأطراف القومية الدينية واللا دينية في الوقت الحاضر التدخل التركي في سوريا وليبيا، في حين أن حزب العدالة والتنمية، كما كان في السابق، ليس لديه حلول أو خطط معينة لأصلاح المآزق والمشاكل المحلية وهو يعتمد تحديدا على الاستفادة من العسكر والقوة.
هل القومية هي الخطاب الحالي والمستمر لتركيا؟
لن يكون لتركيا انتخابات حتى عام 2023 في حين يسيطر حزب العدالة والتنمية حاليًا على السلطة ويقبض السيطرة عليها بقوة. لكن على الرغم من المشاكل الحالية، مثل المشاكل الاقتصادية والخارجية لتركيا، هل سيستمر حلفاء أردوغان في تحقيق النصر؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب القول، ان الجماعات القومية التركية المهمة مثل حزب الحركة الوطنية بقيادة دولت باخجلي، والحزب الجيد بقيادة اكيشنار وحزب الوحدة الكبرى التركي بقيادة دستجي، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات والجماعات القومية التركية الأخرى، تدعم الفكر والخطاب القومي، وبإمكانهم أن يتوصلوا إلى اتفاق مع حزب العدالة والتنمية في نقطة مشتركة، وفي مثل هذه الظروف، ستقّل فرص فوز المجاميع والأحزاب الأخرى المعارضة لأردوغان . ولكن إذا فشل "تحالف الجمهور" بين أردوغان وباخجلي في السنوات المقبلة قبل انتخابات 2023، في تخليص تركيا من مشاكلها الحالية، فستتوفر الأرضية من شأنها تضئيل القومية وانحدارها تدريجيا.