الوقت- لم تعد سياسة الكيان الإسرائيلي التمييزية العنصرية تقتصر علی المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين باعتبارهم السكان الأصليين لفلسطين، والذي يحتل هذا الكيان أراضيهم منذ العام 1948 حتی اليوم، بل أصبح الكيان الإسرائيلي الیوم يمارس العنصرية حتی ضد المسيحيين واليهود الذين جلبهم للاراضي الفلسطينية بغرض تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة، لصالحه. فهل وصلت هذا الکيان الی القناعة التامة والحقيقة الحتمية التي تؤكد زواله خلال السنوات المقبلة، ولهذا بات لا يكترث بهجرة المسيحيين واليهود العکسية، بسبب معاملته المشينة معهم؟
هذا التمييز العنصري ضد المدارس الدينية المسيحية الذي يحتج ضده المسيحيون هذه الأيام في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ياتي في وقت تصنّف فيه تل أبيب المدارس الأهلية المسيحية في الأراضي المحتلة في عداد المدارس الدينية، غير أنها لا تمنح هذه المدارس دعما كاملا كما هو الحال بالنسبة الی المدارس الدينية الیهودية التي تحظی بدعم کامل من قبل حکومة الكيان الإسرائيلي، في دلالة واضحة علی ممارسة التمييز والعنصرية من قبل الكيان تجاه غیر اليهود، كما يقول المسيحيون الذين يعانون من هذا التمييز. وقد أكد «رياض كامل» مدير مدرسة «مار يوسف» في القدس المحتلة خلال حوار له مع إحدى القنوات الفضائية، أن احتجاجات منتسبي المدارس المسيحية التي جرت خلال الأيام الماضية، تاتي بسبب تقليص الموازنات اللازمة والتجفيف التدريجي للمدارس المسيحية من قبل ما يعرف بـ"وزارة المعارف" الإسرائيلية.
وأوضح «بطرس منصور» المتحدث باسم المدارس المسيحية في فلسطين المحتلة لوكالة الأنباء الفرنسية أنه «منذ عام ونصف العام نجري محادثات مع السلطات الاسرائيلية وتدخل الكثير من المسؤولين وحتى الفاتيكان»، مؤكدا أنه «في ما عدا التصريحات السياسية الجميلة، لم نحصل بعد مضي اسبوع على اي اقتراح جدي. جربنا كل المساعي ولم يبق امامنا اي خيار سوى الاضراب».
الفلسطينيون المسيحيون والمسلمون ليس هم وحدهم من ذاقوا مرارة العنصرية الإسرائيلية طيلة العقود الماضية، بل حتی الیهود الذين يعتبرهم الكيان الإسرائيلي، يهوداً من الدرجة الثانية والثالثة مثل الیهود الإثيوبيين قد ذاقوا هذه المرارة ايضا. وكما قال اول رئيس وزراء في الكيان الإسرائيلي «بن غوريون»، «لا نريد للإسرائيليين أن يصبحوا عربا.. من واجبنا أن نحارب روح الشرق التي تفسد الأفراد والمجتمعات، وأن نحافظ على أصالة القيم الیهودية»، فان المجتمع الإسرائيلي أصبح الیوم يمارس اقصى درجات التمييز والعنصرية ليس تجاه المسيحيين والفلسطينيين المسلمين فحسب، بل حتی ازاء الیهود الشرقيين والیهود القادمين الی الاراضي المحتلة من البلاد العربية وأثيوبيا، حيث انهم يعانون الكثير من العنصرية الإسرائيلية في المجتمع الیهودي الإسرائيلي حالیا، في شتی المجالات منه الثقافي والإقتصادي، ناهيك عن حضورهم شبه المعدم في المجال السياسي.
وقد بادر الكيان الإسرائيلي خلال المدة الاخيرة الی تقليص ميزانية المدارس الدينية المسيحية بنسبة "45 %" بحسب تقارير هذه المدارس. واكد بيان صادر عن المدارس الدينية المسيحية في الآونة الاخيرة ان الكيان الإسرائيلي لا يتكفل سوى بتمويل 29% من التكلفة الاجمالیة للمدارس الابتدائية المسيحية، مما يضطر اهالي الطلاب الذين يدرسون في هذه المدارس الی تقبل بقية التكالیف علی نفقتهم الخاصة. وفي سياق غير بعيد تشير الارقام الرسمية التي تصدر عن مؤسسات الكيان الإسرائيلي إلى انه يعيش 160 الف مسيحي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، 14 الفا منهم يسكنون في شرقي القدس المحتلة.
وبالرغم من جميع هذه الممارسات العنصرية من قبل الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والمسيحيين والیهود الشرقيين وغيرهم، فان هذا الكيان يعتبر نفسه "واحة للديمقراطية" بل أنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط حسب زعمه. ومن اللافت أن الدول الغربية التي كثيرا ما تتغنى بالدفاع عن حقوق الأقليات الدينية!، باتت هذه الأيام لا موقف لها تجاه الممارسات الإسرائيلية العنصرية تجاه المسيحيين، سوی التزام الصمت. وبالاضافة الی الدول الغربية فاننا لم نسمع صوتاً واضحاً من قبل الفاتيكان نفسه لمنع الكيان الإسرائيلي من ممارسة التمييز العنصري تجاه المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لا شك أن ممارسة العنصرية الإسرائيلية تجاه الجميع ما عدا فئة قليلة من الیهود التي تعود أصولهم الی دول معينة مثل بولندا وروسيا فان الجميع بات الیوم في الاراضي الفلسطينية المحتلة مستهدفاً من قبل النازية العنصرية الإسرائيلية، وسيكون نتيجة هذه المعاملة العنصرية، تقليص أعداد المسيحيين الراغبين بالهجرة الی الكيان الإسرائيلي، بل حتی الیهود الذين تعتبرهم تل أبيب، یهوداً من الدرجة الثانية والثالثة. وبناء علی هذه القضايا، فان الكيان الإسرائيلي قد فشل فشلا ذريعا في تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة وفق المخطط الذي يخدم أهدافه الإحتلالیة، بحيث ستزداد أعداد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية وغزة وفي الخارج، بمعدلات عالیة، وهذا ما سيتسبب في إنهيار فكرة الدولة الیهودية وزوال الكيان الإسرائيلي خلال الأعوام القادمة القريبة.
في هذه الاثناء وصل التمييز العنصري تجاه الیهود الإثيوبيين الی درجة جعلت رئيس الكيان الإسرائيلي «رؤوفين ريفلين» نفسه، يعترف بعد تظاهرات جرت من قبل الإثيوبيين في القدس، أن «التظاهرات في القدس وتل أبيب كشفت جرحا مفتوحا في قلب المجتمع الإسرائيلي (...) معاناة مجتمع يصرخ بسبب شعوره بالتمييز والعنصرية دون أن يلقى استجابة». وتشير الإحصائيات الإسرائيلية الی أنه يقيم أكثر من 135 ألف إثيوبي يهودي في الأراضي المحتلة، هاجر معظمهم الی الكيان الإسرائيلي خلال العامين 1984 و1991، إلا أنهم واجهوا معاناة كبيرة حالت دون انصهارهم فيما يسمی بالمجتمع الإسرائيلي.
واخيرا، ها هو الكيان الإسرائيلي بات غير قادر علی اخفاء سياسته العنصرية، حيث انكشف أمره من الداخل، بعدما أصبح المسيحيون والاثيوبيون والیهود المصنفون بالمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، يصرخون في الأراضي المحتلة من شدة هذه السياسة العنصرية، ولم يعد الفلسطينيون لوحدهم من يعانون التمييز الإسرائيلي، إذن بعد هذا الإنهيار الذي أصاب المجتمع الإسرائيلي من الداخل، فان هذا المجتمع إن صح التعبير صار يتدحرج نحو الزوال بسرعة فائقة.