الوقت- شهد الاقليم الكردي من تركيا في اواخر شهر يوليو من العام الحالي انفجاراً ضخماً هزّ مدينة سروج الحدودية، هذا الإنفجار والذي جاء بعد ايام قليلة من إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية التركية والتي نتج عنها تراجع ملحوظ لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان، في مقابل تقدم لحزب الشعوب الديمقراطي وحصوله على 80 مقعداً ما افقد أردوغان الأكثرية النيابية. هذا وقد ترافق مع هذه التطورات على الساحة الكردية مجموعة أحداث مهمة كان آخرها اعلان أمريكا عدم التجديد لمنظومة صواريخ باتريوت المتواجدة على اراضيها، إلى سماح تركيا لأمريكا الإستفادة من قاعدة أنجرليك الجوية لإعمال مراقبة وسيطرة على اوضاع الجماعات التخريبية التدميرية في سوريا كمنفذ لمشروعها، آخر هذه التطورات كان اعلان حزب أردوغان حملته العسكرية على القسم الكردي من تركيا من خلال تنفيذ ضربات جوية تستهدف تجمعهم. مجموعة التطورات هذه تطرح الكثير من الأسئلة والتي أهمها حول الترابط بين مجموعة هذه التطورات من جهة ومآل الأمور من جهة أخرى.
نتائج الإنتخابات التركية، رد فعل هستيرية
حقق الأكراد في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة نجاحا باهرا مكّن حزب الشعوب الديمقراطي من دخول البرلمان للمرة الأولى بعضوية 80 نائباً، حزب أردوغان يرى في نجاح الأكراد هذا حرماناً لمشروعه المتمثل بتغيير النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وبذلك يريد من حملته على التجمع الكردي ضرب مناطقهم وتحويلها إلى واقع غير مستقر مما يحتم على ان لا يكون فعالية في مناطقهم وبالتالي بلورة واقع غير ملائم للإنتخابات في المناطق الكردية ما يتيح عرقلة نجاحهم في الإنتخابات القادمة. وهي رسالة لهم بأن عليهم الخضوع لحزبه والذهاب بواقعهم الحالي المتزعزع نتيجة القصف الذي يتعرضون له والتصويت لحزب العدالة والتنمية الأردوغاني. وهو قد يتيح له الأرضية المقنعة لإحداث شيء من التزوير إذا ما اقتضى الأمر، خاصة أن هذه الضربات وبحسب المتتبعين لحجمها لا يؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود. والنتيجة الثانية التي يعمل عليها أردوغان وتصب في نفس الخانة سابقة الذكر، هي أن يقلب الشعبية التركية على الكردية ويوجد حالة معادية للأكراد وحتى غيرهم من الأحزاب الاخرى بهدف قلب أوراق الإنتخابات المبكرة.
الأكراد ونجاحاتهم بوجه جماعات التخريب والتدمير
النجاحات التي يحققها الاكراد بوجه جماعات التخريب والتدمير، وتشكيلهم قوى فاعلة وشبه مستقلة في مواجهتهم، يضاف إلى ذلك ما يستطلعه اردوغان من احتمال تقدم الأكراد باتجاه مدينة جرابلس الحدودية والذي من الممكن أن يسهم بتقدمهم نحو منطقة عفرين، وهو يرى في ذلك وبسبب سياسته العدائية اتجاه الأكراد مقدمة لوصل المناطق الكردية الحدودية وبالتالي قطع صلة الوصل التي تربط جماعات التخريب والتدمير بالنظام التركي.
منطقة عازلة... أمريكا واللعب على وتر الأزمة
امريكا ترى ضرورة بالتساهل مع اردوغان في حملاته على الاكراد وبالخصوص حزب العمال الكردستاني على أن لا يتجاوز الخطوط الحمر في المصلحة التي تراها امريكا في علاقاتها مع الملف الكردي، ضرورة التساهل هذه تعود إلى كون تركيا عضواً في حلف الناتو من جهة والترضية التركية لأمريكا باستخدام قاعدة انجرليك الجنوبية. وفي واقع الأمر ترى أمريكا ابقاء الملف الكردي عالقاً لاستثماره في احداث بؤرة توتر في المنطقة من جهة ولعبة شد الحبال مع دول المنطقة في هذا الملف بما فيها تركيا من جهة أخرى. وتركيا ايضاً تطمح لكي تنشأ منطقة عازلة جوية، وهي ترى في مشروع ضرب الأكراد مقدمة للوصول إلى هذا المخطط خاصة وأن هذه المنطقة يراد لها ان تكون بين جرابلس وإعزاز.
محصلة
أردوغان مخطئ تماماً بأن هدنة ما بعد الحرب على الأكراد ستوجد حالة من اركاعهم وجعلهم يصوتون له في الإنتخابات، فما تصويتهم لحزب الشعوب الديمقراطي إلا نتيجة للسياسات الأردوغانية التي انتهجها على مدى الأعوام السابقة وصعد وتيرتها مؤخراً. والمرجح على ما هو عليه أن تتجه الأمور نحو التصعيد والأجواء لن تكون مستقرة في الأيام القادمة. وتركيا أضعف بكثير من ان تُضعِف الاحزاب الكردية، فلو كان بإمكانها لما توصلت معهم في العام 2013 إلى حل وجلست معهم على طاولة الحوار بعد صراع طويل. ولذلك فإن هذه المغامرة اليوم قد تجر الأمور إلى حرب أهلية مع الأكراد، والأبعد من ذلك الوضع الإقتصادي والإجتماعي الذي سيتأزم إذا ما استمرت الأزمة. كما أن أردوغان فتح نافذة للطامعين، وشرع باباً للعبة الإقليمية بتحريك ملف الاكراد اكثر فأكثر. أما إذا حقق أردوغان اهدافه المؤقتة من هذه اللعبة فسيكون قد خسر أيضاً، فصحيح أنه سيستطيع احداث تراجع في البرلمان لصالح الأكراد إلا أنه سيكون قد قلّب الأكراد عليه.