الوقت- على الرغم من تنفيذ ما يُسمّى باتفاق التهدئة في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر، يواصل الكيان الإسرائيلي منع دخول مواد غذائية أساسية مثل اللّحوم والدّجاج إلى القطاع المحاصر، متمسّكة بمطلب تسليم جثامين عددٍ من الأسرى الإسرائيليين، ما يعكس استمرارًا لسياسة العقاب الجماعي والتجويع التي يشنّها الكيان الصهيوني على المدنيين الفلسطينيين، وسط صمت دولي وإعلامي مريب.
في هذا التحليل الموسّع، نسلّط الضوء على بنود الاتفاق، ما تحقق منه حتى اليوم، وما لم يتحقّق، مع استعراض تداعيات منع دخول اللحوم ومواد غذائية رئيسة إلى غزة، وما يعنيه ذلك إنسانياً وسياسياً.
بنود اتفاق التهدئة
اتفاق التهدئة بين الكيان الصهيوني وحماس (بوساطة دولية يقودها دونالد ترامب وقطر ومصر) تضمن عدداً من المراحل، بحسب ما ورد في المصادر:
- المرحلة الأولى (حوالي 42 يوماً): تتضمّن وقفاً مؤقتاً للعمليات العسكرية، وسحباً جزئياً لقوات الكيان من المناطق المكتظة في غزة، مع السماح بإدخال مساعدات إنسانية حقيقية.
- في نفس المرحلة، تطلق حماس سراح عدد محدّد من الأسرى الإسرائيليين (من بينهم نساء، أطفال، رجال مسنّون) أو تسليم جثامينهم، وفي المقابل يُفرج الكيان عن عدد من الفلسطينيين المعتقلين.
- كذلك، تحديداً في هذه المرحلة، كان من المفترض السماح بدخول 600 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة، منها 50 شاحنة وقود، وإخراج نحو 300 شاحنة إلى شمال القطاع.
- المرحلة الثانية: تُشترط أن تطلق فيها جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقين، ويسحب الكيان جميع قواته من غزة، مقابل إطلاق عدد أكبر من الفلسطينيين، وتثبيت التهدئة.
- المرحلة الثالثة: تتضمّن فك الحصار على غزة، إعادة الإعمار الشاملة، وضمانات دولية للتهدئة الدائمة، مع وقف نهائي لعمليات الكيان العسكرية.
باختصار، الاتفاق المفترض كان يستند إلى مبدأ “أسرى مقابل أسرى/جثامين + مساعدات مقابل انسحاب + تهدئة مقابل إعادة إعمار”.
ما تمّ تحقيقه حتى اليوم – وماذا لم يُنفّذ؟
ما تمّ تنفيذه:
- تمّت الموافقة من قبل حكومة الكيان الصهيوني على إطار الاتفاق في يناير 2025، ما يمثّل اعترافاً رسمياً بخطوة أولى نحو التهدئة
- بعض المساعدات دخلت غزة، وتم رفع سقف الشاحنات إلى حدٍّ ما.
- بدأ التفاوض والمراحل الأولى من الإفراج عن أسرى وجثامين، لكن بشكل محدود.
ما لم يُنفّذ أو ما نُقصّده فعلياً:
- الكيان الصهيوني يواصل منع دخول اللحوم والدجاج والمواد الغذائية الرئيسة إلى غزة، رغم شرط دخول مساعدات إنسانية كاملة. بحسب التقرير الذي أوردته شبكة “العربية”، فقد سمح فقط بدخول شاحنات محضّرة (كنسرو ونودل) بينما منع دخول اللحوم والدجاج.
- انسحاب قوات الكيان من المناطق المكتظة داخل غزة ليس كاملاً أو مطبّقاً بالشكل المطلوب؛ إذ أن العمليات العسكرية ما زالت تجري، والتدمير مستمر. مثلاً، حذر تحليلٌ من أن “الواقع ما زال يعكس تنفيذ تهدئة هشة” رغم الإعلان.
- دخول 600 شاحنة يومياً وعددها في شمال القطاع لم يتم تحقيقه بالشكل الكامل أو على الأرض كما هو معلَن، وتبقى الحاجة الإنسانية في غزة متزايدة
- لا توجد حتى الآن ضمانات قوية على أن التهدئة ستكون دائمة أو أن الحصار سيفكّ بالكامل، أو أن إعادة الإعمار ستبدأ سريعاً.
- الكيان الصهيوني يُعلن أنه لن ينهي الحرب أو الانسحاب إلا بعد تحقيق “كافة أهدافه” بما في ذلك “تفكيك حماس عسكرياً” — ما يجعل التهدئة جزئية ومؤقتة.
إذًا، رغم أن اتفاق التهدئة مع حماس قدَّم إطاراً نظرياً واُعلن، إلا أن التطبيق على الأرض تعثّر بشدة، ويبدو أن الكيان الصهيوني يستخدم بنوداً من الاتفاق كأداة ضغط، خاصة عبر منع دخول المواد الغذائية الأساسية.
منع دخول اللحوم والدجاج – خلفيات وتأثيرات
الخلفيات
- بحسب التقرير، فإن الكيان الصهيوني يشترط تسليم كامل جثامين الأسرى الإسرائيليين (المتوقّع عددها 13 جثماناً إضافية حتى تاريخ التقرير) مقابل فتح الباب لدخول مساعدات غذائية كاملة، بما فيها اللحوم والدجاج.
- موقف الكيان الصهيوني يدّعي أن دخول المواد الرئيسية يجب أن يكون مشروطاً بتحقيق كامل لبنود التبادل مع حماس في ما يتعلق بالأسرى والجثامين.
- في المقابل، سكان غزة يواجهون شتاءً وشيكاً، ونقصاً في المأوى، وما زالت المدارس والمراكز الصحية مدمّرة، مما يجعل حاجة الناس إلى التغذية الكاملة أمراً حيوياً.
التأثيرات الإنسانية
- منع اللحوم والدجاج يعني أن نظام الغذاء في غزة يفتقر إلى البروتين الحيواني الضروري، خصوصاً للأطفال والنساء الحوامل والمسنين، ما يزيد من مخاطر سوء التغذية.
- الشتاء على الأبواب، والمأوى محدود، والمرافق الصحية مدمّرة، ونقص الغذاء الحي قد يؤدي إلى انهيار صحي شامل، مع مخاوف من انتشار الأمراض.
- سياسة “المنع مقابل الجثامين” تعبّر عن استمرار سياسة التجويع والعقاب الجماعي من جانب الكيان الصهيوني، وهو ما يخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تحظر استخدام الغذاء كسلاح حرب.
- صمت الإعلام الدولي والمجتمع الدولي حول هذه الممارسات يُعدّ تمكيناً لها.
الأبعاد السياسية
- هذه الممارسات تحوّل اتفاق التهدئة من إطار إنساني إلى لعبة ضغط وعقاب، ما يُضعف الثقة في الاتفاق واستمراريته.
- الكيان الصهيوني يستخدم القدرة على التحكم في إدخال الطعام كأداة تفاوضية، ما يُظهر أن التزاماته الإنسانية ثانوية أمام أهدافه العسكرية والسياسية.
- هذا يمنح حماس موقفاً تفاوضياً، لكنه أيضاً يزيد من معاناة السكان المدنيين الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالعدوّ.
- ما يحدث قد يُصنَّف كأداة حرب اقتصادية – غذائية بهدف إضعاف القدرة الحيوية للشعب الفلسطيني، وهو ما يزيد من حدة الجدل القانوني والأخلاقي حول تصرفات الكيان الصهيوني.
تقييم الوضع الراهن وخطر الانزلاق
- على الرغم من أنّ الاتفاق/التهدئة قد دخلت الحيز القانوني والنظري، إلا أن التنفيذ يعاني من عوائق كبيرة ويسير بوتيرة بطيئة جدّاً.
- إن منع اللحوم والدجاج بينما يُسمَح فقط بكنسرو ونودل (غذاء منخفض القيمة الغذائية) يشير إلى أن المساعدات ليست “كاملة” أو “استثنائية” بل مشروطة ومرهونة بتحقيق مزيد من التنازلات.
- هناك خطر كبير بانهيار كامل للمرحلة الأولى من الاتفاق إذا لم يُرفع الحصار الغذائي والمساعدات بشكل حقيقي، ما سيقود إلى تجديد الحرب أو اقتتال داخلي في غزة أو ضغط شعبي على حماس.
- كذلك، استمرارية العمليات العسكرية من جانب الكيان الصهيوني تُضعف مصداقية التهدئة، وتضع التسوية في خانة “تجميد لعمليات مؤقتة” وليس “وقف شامل للحرب”.
- في الحالة التي يستمر فيها منع الغذاء وتقييد المساعدات، فقد تتجه غزة نحو مجاعة فعلية أو مؤشرات جوع واسعة، ما يحمل تبعات إنسانية كبيرة ويزيد من الضغوط الدولية والقانونية على الكيان الصهيوني.
توصيات وإجراءات مطلوبة
- يجب على المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة التركيز على الضغط الفوري لرفع الحصار الغذائي والسماح بدخول اللحوم والدجاج وكافة المواد الغذائية الأساسية دون تأخير أو شروط إضافية.
- كما يجب رصد تنفيذ بنود الاتفاق بدقة، ونشر تقارير شفافة حول عدد الشاحنات الفعلية، ما يدخل منها إلى شمال غزة، وما هي المواد المحرّمة أو المقيّدة.
- على المراقبين الحقوقيين التأكد من أن استخدام الغذاء كأداة تفاوض أو عقاب يُعدّ انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وإذا لزم الأمر رفع قضايا أمام المحاكم الدولية.
- ينبغي للدول الضامنة (قطر، مصر، الولايات المتحدة) أن تضغط على الكيان الصهيوني لضمان انسحاب فعلي من المناطق المكتظة وتحقيق دخول مساعدات كاملة كجزء من المرحلة الأولى.
- كما يجب دعم إعادة الإعمار في غزة من الآن – بما في ذلك تأهيل المدارس والمراكز الصحية والمأوى – لأن أي توقف في المساعدات سيحوّل التهدئة إلى “تهدئة جوع مؤقتة” فقط.
في ضوء ما تقدّم، يتبيّن أن التهدئة التي أُبرمت بين الكيان الصهيوني و«حماس» تمثّل خطوة نظرية نحو تسوية، لكنها على أرض الواقع تواجه تحديات كبيرة وتُستخدم كأداة تفاوضية من جانب الكيان الصهيوني عبر منع دخول الغذاء الحيوي، بما في ذلك اللحوم والدجاج، مقابل جثامين الأسرى. هذا الأمر يعكس استمرار سياسة الحصار والتجويع التي تُمارَس ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، ويطرح تساؤلات جديّة حول مدى التزام الكيان الصهيوني ببنود الاتفاق وحيادية المجتمع الدولي. إن لم تُضَغط جهات دولية ومراقبون حقوقيون على تنفيذ فوري وشامل لبنود الاتفاق، فقد تتحوّل التهدئة إلى تهدئة جوع وتشريد مؤقت، بينما الهدف النهائي وهو إنهاء الحرب وإعادة الإعمار وتحقيق السلام يبقى بعيد المنال.
