الوقت- بعد ساعات من خطاب فلاديمير بوتين حول الحاجة إلى تغييرات جذرية في البلاد ، قدم رئيس الوزراء الروسي دميتري آناتوليفيتش ميدفيديف يوم الأربعاء للرئيس بوتين استقالة الحكومة بالكامل ، هذا هو التنحي الجديد لفريق بوتين من أجل نقل السلطة في مستقبل روسيا إلى مؤسسة جديدة تضمن بقاءه والبعض من أصدقائه القدامى للعقد القادم من الزمن.
استقالة حكومة ميدفيديف: نزاع أم اتفاق؟
تشكلت الحكومة الحالية برئاسة ميدفيديف في 18 مايو 2018 ، وتضم 10 مساعدين لرئيس الوزراء و 22 وزارة. ولكن قبل ذلك ، كان ميدفيديف بيت سر بوتين. بوتين ، الذي كان في منصبه منذ عام 1999 ، والذي لم يستطع أن يصبح رئيسًا بعد دورتين رئاسيتين متتاليتين ، لذلك وفي خطوة منسقة في عام 2007 ، استقال رئيس الوزراء الروسي آنذاك ميخائيل فاراداكوف مع الحكومة بأكملها. وقد أعلن ان الهدف من الاستقالة ، هو إعطاء رئيس الجمهورية حرية اختيار الحكومة المقبلة. في ذلك الوقت ، أصبح ميدفيديف رئيسًا من خلال حركة تكتيكية للحفاظ على سلطة بوتين تحت غطاء منصب رئيس الوزراء. فإذا استمر بوتين في منصبه كرئيس للوزراء في زمن استقالة الحكومة ، فستكون استقالة الحكومة هذه المرة خطوة مماثلة لمواصلة السلطة على مستوى أعلى.
لقد امتحن بوتين العمل لأكثر من عشرين عامًا كرئيس ورئيس وزراء. وبطبيعة الحال ، فلقد ذاق طعم السلطة تحت لسانه ، ولكن هذه المرة لصالح مؤسسة جديدة وأعلى من رئاسة الجمهورية. لن يتم إعادة انتخاب بوتين بعد انتهاء فترة رئاسته في عام 2024 ، لذلك فهو يسعى إلى منح المزيد من السلطة للبرلمان لكي يحفظ موطئ قدم له في المؤسسة التي يظهر انها وليدة سلطة البرلمان.
أسباب تشكيل مجلس الحكومة
المؤسسة المحدثة الجديدة التي يخطط بوتين لأن تكون سلطته في فترة ولايته القادمة وربما فترة تقاعده هي مجلس الدولة. وظائف هذا المجلس استشارية حاليًا ويتألف من 85 حاكماً محلياًُ ومسؤولين آخرين مثل قادة الأحزاب. لكنها كيان كبير يغير ميزان القوى داخل روسيا. وهناك حاجة إلى تعديل الدستور للاعتراف بهذه المؤسسة رسمياً. وقال بوتين في خطابه عن هذا الامر ان الهدف من خلال تعديل الدستور الروسي ، خلق مساحة يزداد فيها دور البرلمان في تعيين رئيس الوزراء ووزراء الحكومة ، وألا يضطر البرلمان الروسي إلى الموافقة على خيارات رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء ووزراء الحكومة بشكل مقيد". وأكد أيضًا أن "الاقتراح لا يعني تغيير النظام السياسي الروسي من نظام رئاسي الى نظام برلماني ولا ينوي حرمان رئيس الجمهورية من الصلاحيات الخاصة به ، بما في ذلك عزل رئيس الوزراء في الدستور الجديد". وأشار ميدفيديف أيضًا الى إنه استقال وفقًا للمادة 117 من الدستور قائلاً: " ان التغييرات التي يقترحها بوتين ليست فقط في عدد من مواد دستور البلاد ، ولكن بشكل عام أيضا في علاقة التوازن للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ".
كما في لعبة 2007 حيث أخطأت بعض وسائل الإعلام والنخب بالاعتقاد أن هناك نزاعًا بين بوتين ورئيس الوزراء في ذلك الوقت ، ولكن انتقد بوتين هذه المرة ميدفيديف خلال تشكره له ملقياً بالمشكلات الاقتصادية للدولة على عاتقه.
تشبه مشاكل روسيا الاقتصادية مشاكل البلدان المتقدمة الغربية. وتشمل هذه المشاكل ما يلي: ارتفاع نسبة الشيخوخة بين السكان، وانخفاض الاستثمار ، وانخفاض النمو الإنتاجي. ولا يمكن غض النظر عن هذه المشاكل من خلال انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية ضد الاقتصاد الروسي بعد ضم شبه جزيرة القرم وادعاء التدخل في الانتخابات الأمريكية. وفي تلك المرحلة ، استطاع بوتين إنقاذ الاقتصاد الروسي من ورطة الهبوط ، وهو سبب رئيس لشعبيته. ومع ذلك ، لا تزال المشاكل الاقتصادية قائمة. وفي السنوات الأخيرة، كان متوسط النمو الاقتصادي في روسيا منخفضًا نسبيًا، حيث كان يتراوح بين 1 إلى 2 في المائة. وقال أليكسي كودرين ، رئيس محكمة المحاسبة الروسية في مؤتمر دولي بجامعة موسكو الحكومية المالية "بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، لم يكن لدينا مثل هذا الركود الاقتصادي المطول (في الاتحاد السوفيتي وروسيا) حيث ان النمو الاقتصادي خلال 10 سنوات متتالية كان 1 بالمئة".
عين بوتين رئيس الخدمات الضريبية الفيدرالية في روسيا ميخائيل ميشوستين خلفاً لميدفيديف لإخراج روسيا من هذا الموقف. رئيس الوزراء الجديد هو تكنوقراطي قام بإصلاح النظام الضريبي في روسيا. وقال في خطاب له "الزيادة الحقيقية في الراتب الشهري للشعب ستكون واحدة من أهم أولويات حكومته المستقبلية."
على الرغم من أن روسيا في الظاهر تتجه نحو الإصلاح الاقتصادي واستقالة شخص لا يحظى بشعبية مثل ميدفيديف ، ولكن هذه هي تكتيكات بوتين النفسية لخلق الأمل والرضا بين الناس ، حيث أن تغييرات الدستور التي يرغب بها بوتين تحتاج الى اجراء استفتاء عام وقد قام بوتين بطلب اجراء هذا الاستفتاء. هذا وقد تم إجراء اخر استفتاء في روسيا عام 1993.
وتحدث بوتين خلال خطابه عن الحاجة إلى تعديل أجزاء من الدستور قائلاً: "في الوقت الحالي ، ووفقاً للمادتين 111 و 112 من دستور روسيا الاتحادية يتلقى رئيس الجمهورية موافقة مجلس الدوما على تعيين رئيس الدولة ومن ثم رئيس مجلس الوزراء ومساعديه وبقية الوزراء" لذا اقترح بوتين ان يتم تعيين رؤساء الجهاز العسكري في البلاد نتيجة للمشاورات مع مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ الروسي).
يسعى بوتين من هذه الحركة إلى تركيز القوة العسكرية للبلاد في أيدي الرئيس الروسي ، وفي الوقت نفسه ربط هذه المؤسسة بمجلس حكومي يتبع اليها مباشرة. وهو يعين حاليا ميدفيديف مساعداً جديدا لرئيس مجلس الأمن عقب استقالته. لكنه لم يتخل عن ميدفيديف حتى الآن لدوره في حركة الانتقال إلى مجلس الدولة. الأمر المؤكد هو أن بوتين يسعى إلى تحديد مكان آمن لمستقبله ، وبطريقة ما ينعش عظمة الاتحاد السوفيتي مجدداً.
وقال أليكسي نافالني أحد أبرز النشطاء السياسيين والمعارضين لبوتين في هذا الصدد "هذه التحركات هي عودة إلى سياسات الحقبة السوفيتية وأي استفتاء لتغيير الدستور هو مجرد خدعة فقط."
ولكن على الرغم من كلام المنتقدين ، وعلى الرغم من أن بوتين يسعى إلى تمكين روسيا في البعد الأمني ، ولكن كما يوضح خطابه أمام مجلس الدوما في فبراير 2019 ، ان القادة الروس يعتزمون تعزيز النمو الاقتصادي وان هذه التغييرات الجديدة تصب في تلك الاستراتيجية.