الوقت - تكتسب الصين يوماً بعد يوم المزيد من القوة في مختلف المجالات، ويحظى الارتباط بالاقتصاد الصيني الفعال والنشط والقوي بالأهمية لمعظم دول العالم.
تركيا التي كانت منذ القدم متصلة بالصين من خلال طريق الحرير ، تسعى إلى المزيد من الاستفادة من الاقتصاد الصيني في إطار مشروع " حزام واحد طريق واحد " الكبير.
هل عادت تركيا إلى الشرق؟
بالتزامن مع الابتعاد التدريجي التركي عن الغرب والتركيز على الشرق، وضع المسؤولون في أنقرة والقطاع التركي الخاص تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين على جدول أعمالهم، ولكن لا تزال هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود في هذا المضمار حيث تحول تطوير العلاقات مع بكين إلى ضرورة مهمة لفريق أردوغان.
تعرضت تركيا للتهديد والعقوبات الأمريكية بمستوى لافت في المجالين السياسي والاقتصادي، حيث لمست حقيقة أن الحفاظ وتعزيز العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة ومحاولة تجنب عواقب صدمات الدولار بين الحين والآخر، لا تنطبق مع السياسة الخارجية الحالية لفريق أردوغان. و في الوقت ذاته، ان العلاقات مع أوروبا غير محددة بشكل جيد، لكن الاهتمام بالدول القوية مثل روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا هو أكثر أهمية بالنسبة لتركيا مقارنة بالسنوات السابقة.
القليل من الصادرات والكثير من الواردات
شهد حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين تغييرات جدية في القرن الحادي والعشرين، وخاصة في السنوات الأخيرة. فبحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية التركية، إن حجم تجارة تركيا مع الصين كان أقل من 1.5 مليار دولار في عام 2000، ولكن تجاوز قليلاً الـ 3 مليارات دولار في عام 2003 وفي السنة الثانية لقوة حزب العدالة والتنمية. بحيث بلغ هذا الحجم 7.5 مليار دولار في عام 2005 حتى أنه تجاوز الـ 14 مليار دولار في عام 2007.
وبلغ حجم التجارة بين تركيا والصين في عام 2011 رقماً ذهبياً ووصل الى 24 مليار دولار وفي عام 2013 سجل ايضاً رقماً قياسياً وبلغ 28 مليار دولار ولكن في عام 2018 بالنظر الى الوضع غير المناسب لقطاع الانتاج في تركيا، تراجع التبادل التجاري مع الأطراف الصينية إلى 24 مليار دولار.
ومن الضروري هنا الاشارة إلى أن الميزان التجاري في علاقات أنقرة الصين كان حاسماً للغاية لصالح الصينيين خلال جميع تلك الاعوام، حيث اقترب حجم صادرات تركيا إلى الصين 4 مليارات دولار فقط في عام 2013. وفي عام 2018 كان أقل بقليل من 3 مليارات دولار. لذلك، تعد الصين سوقًا رئيسيًا للسلع الأساسية بالنسبة لتركيا التي توفر جزءا كبيرا من احتياجات سوقها الاستهلاكية من الصين.
تركيا تُجهز قطار التصدير
إن زيادة حجم الواردات من الصين وكذلك الاعتماد المفرط على صادرات تركيا من المواد الخام، هو أمر لا يناسب المسؤولين الاقتصاديين ونشطاء القطاع الخاص في تركيا. فتركيا حالياً تقوم ببيع مواد الخام. أي أن تركيا تشتري سلعًا جاهزة من الصين وتكنولوجيا ذات قيمة مضافة وتقنية عالية بالنسبة للمنتجين الصينيين، ولكنها ترسل المعادن والمواد الخام مثل النحاس والزنك والأحجار الكريمة إلى الصين، والتي على عكس السلع المستوردة من الصين لا تحقق أرباحاً كبيرة لتركيا وليس لها قيمة مضافة وأرباح في قطاع الإنتاج وأجر للموارد البشرية.
لهذا السبب، تسعى تركيا إلى اتخاذ خطوات جديدة باستخدام امكانيات النقل بالسكك الحديدية. والتفكير في قطار يسمى قطار التصدير لنقل عدة أنواع من البضائع التركية إلى السوق الصينية يتم تنفيذه كمشروع محدد بشكل جاد.
حيث اعلن علي إحسان اويجون مدير الإدارة العامة لخطوط النقل و السكك الحديدية التركية أنه بناء على أساس الاتفاق الجديد الذي تم بين قادة بكين وأنقرة سيقوم قطار شحن ضخم من الآن فصاعداً -الذي يمر من الصين عبر مرمرة إلى تركيا ومن ثم إلى براغ- بإيصال سلع تركيا إلى السوق الصينية.
تم تسمية هذه الخطوة من قبل تركيا باسم "طريق الحرير الحديدي" ومن المقرر ان يتم شحن سلع الصادرات التركية بنفقة شحن طفيفة الى السوق التركية وذلك بالتنسيق مع النقابات الصناعية والانتاجية. وسيكون عبور خط القطار من باكو – تبلّيسي - قارص التركية فرصة ذهبية للمصدرين الأتراك، ومن المقرر أن تدار صادرات السكك الحديدية إلى الصين من خلال فتح مركز لوجستي كبير في محافظة قارص.
400 قطار في عام 2020
وفقًا للإحصاءات الصادرة عن مدير الإدارة العامة لخطوط النقل و السكك الحديدية التركية، من المتوقع أن يتم شحن ما بين 300 و 400 قطار شحن من السلع التركية إلى الصين في عام 2020 ، ويتولى فريق من الخبراء الأتراك الاقتصاديين التسويق والتنسيق حيث يتم الان العمل على توفير السلع ونقلها.
ففي حال كان الأتراك قادرين على تحقيق هدفهم في عام 2020 وكسب ثقة السوق الصينية، فسيحاولون حتى عام 2024 إرسال 1000 قطار على الأقل إلى الصين سنوياً.
بالطبع، لا يقتصر جدول أعمال العلاقات الصينية التركية على الصادرات والواردات فحسب، بل سيكون لكلا البلدين تعاون واسع في قطاعين أساسيين وحيويين هما الاستثمار ونشاط المقاولين. بالإضافة إلى ذلك، بعد جذب 6 ملايين سائح روسي سنوياً، تسعى السياحة التركية الآن إلى جذب ما لا يقل عن 4 ملايين سائح صيني سنوياً.
أعذار أنقرة الدبلوماسية
لم يكن عام 2019 عاماً جيداً على منطقة تركستان الشرقية والأيغور ، و نشر الكثير من التقارير عن ممارسة الصين الضغوط والتمييز ضد المسلمين. حيث تقوم الحكومة الصينية بمواجهة الأيغور بقوة بحجة محاربة التطرف، لهذا نرى العديد من وسائل الاعلام والتيارات الفكرية والسياسية الإسلامية داخل تركيا تحتج على ذلك الأمر.
لكن أهمية تعزيز العلاقات السياسية والتجارية مع الصين قد دفع الحكومة المنبثقة عن حزب العدالة والتنمية والجهاز الدبلوماسي التركي إلى عدم الدخول في تلك القضية كثيراً وفوضوا الأمر الى النقابات والجمعيات المختلفة.
على أي حال ، تسعى أنقرة إلى تعميق وتعزيز العلاقات مع روسيا، ويبدو أنه بعد أن وصلت العلاقات مع روسيا إلى مستوى مناسب، سيتم الاهتمام بمزيد من تعزيز العلاقات مع الصين.