الوقت- عشية القمة السنوية لحلف الناتو، أصبحت هذه المنظمة العسكرية والأمنية تواجه انقسامات داخلية أكثر من أي وقت مضى.
على مدى العقد الماضي على الأقل، لم تتصاعد التوترات في العلاقات التركية الفرنسية كدولتين عضوين في الناتو إلى هذه الدرجة، حيث يتهم المسؤولين في البلدين بعضهم البعض، وفي الوقت نفسه يتم استدعاء سفيري البلدين احتجاجاً.
ولكن ليس فقط تركيا وفرنسا كعضوين في الناتو قد توترت علاقاتهما، بل إن الدول الأخرى الأعضاء في الحلف لا تتبع مواقف متماسكة ومنسجمة داخل هذا الحلف بسبب بعض الخلافات. بحيث يبدو أن القمة السنوية لقادة الناتو هذا العام ستطغی عليها الانقسامات الداخلية أكثر من أي وقت مضى.
تركيا ولغز الهجوم علی شمال سوريا
قال الرئيس الفرنسي مؤخرًا إن الناتو في حالة "موت دماغي". وأشار "إيمانويل ماكرون" إلی خلافات أعضاء الناتو حول الغزو التركي لشمال سوريا، وأضاف أنه لا يوجد إجماع بين أعضاء الناتو بشأن الهجوم على شمال سوريا، وأن تركيا كعضو في الناتو، قد هاجمت شمال سوريا بينما کان أعضاء الناتو الآخرون معارضين لهذه العملية العسكرية.
تصريحات ماكرون، بالطبع، لم تكن غريبةً، لأن الناتو كمنظمة عسكرية، كان من المفترض أن ينسق السياسات الدفاعية والعسكرية لأعضائه، لكن خلال الحرب علی سوريا، كانت تركيا كعضو في الناتو، هي طرف في الحرب، وكانت الدول الأوروبية كأعضاء آخرين في الناتو ضد تركيا، وهددوا حتى بفرض عقوبات عليها.
وهكذا، فقد تركت التطورات الأخيرة أثناء الحرب علی شمال سوريا، فجوةً عميقةً في التماسك الداخلي لحلف الناتو.
المواقف المختلفة لأعضاء الناتو تجاه الأكراد السوريين
أعضاء حلف الناتو، من ناحية أخرى، ليس لديهم إجماع حول مسألة الأكراد. وكانت تصريحات الرئيس التركي الأخيرة ضد الرئيس الفرنسي والتي قال فيها إن ماكرون هو الذي أصيب بموت دماغي وليس الناتو، هي نابعة من خلافات سابقة بين أنقرة وباريس حول الأكراد.
في الواقع، أثار اجتماع الرئيس الفرنسي مع زعيم كردي سوري غضب الرئيس التركي، وفاقم التوتر الأخير في العلاقات بين البلدين، إلی أن وصل الأمر إلی استدعاء سفيري البلدين.
منظومة إس 400 تزيد الطين بلةً
وسط الانقسامات الداخلية لحلف الناتو، فإن ما يهدد الآن الهيكل الأمني لحلف الناتو بشکل عام، وكما يقول الغربيون، هو دخول منظومة الصواريخ الروسية إس 400 إلى أراضي دول الناتو.
لقد وضعت تركيا اللمسات الأخيرة على صفقة شراء نظام الصواريخ إس 400 من روسيا قبل عامين، وحصلت مؤخرًا على أول شحنة من هذا النظام الصاروخي، وكما يقول وزير دفاعها فمن المقرر نشر صواريخ إس 400 لحماية الحدود التركية قريبًا.
دخول منظومة إس 400 الروسية إلى الأراضي التركية، باعتبار ترکيا عضواً في الناتو، واجه منذ البداية معارضة أعضاء الناتو الآخرين الشديدة، وأعلنت أمريكا والدول الأوروبية أنه مع دخول إس 400 إلى تركيا، فإن أنظمة الأمن والدفاع التابعة لحلف الناتو ستكون عرضةً للتهديدات.
على الرغم من تهديدات الدول الغربية وأمريكا ضد تركيا بشأن شراء نظام الصواريخ إس 400 من روسيا، ولكن أنقرة ودون الاهتمام بهذه التهديدات، أعلنت أن صواريخ إس 400 ستعمل في المستقبل القريب، وفي هذه الحالة سيكون الناتو أكثر عرضةً للأضرار الأمنية.
لم يتضح بعد بالضبط ما هي التهديدات التي سيتعرض لها الهيكل الأمني لحلف الناتو عن طريق نشر صواريخ إس 400 على الأراضي التركية، ولكن من الواضح أن البنية الأمنية لحلف الناتو ستصبح معرضةً للخطر والتهديد بمجرد تشغيل منظومة إس 400، التي تستهدف قدرات هذه المنظمة العسكرية، وفي هذه الحالة فإن الناتو بعد نشر إس 400 لن يكون نفس الناتو قبل نشر إس 400 في تركيا.
الناتو يشكو من الاستثمارات المحدودة للدول الرأسمالية
حلف الناتو عمومًا منظمة تابعة لكتلة الديمقراطية الليبرالية الغربية في إطار النظام الرأسمالي، لكن المنظمة تشكو بشدة من أعضائها بسبب نقص الاستثمار وزيادة التمويل.
الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" اشتكی في اجتماع لوزراء خارجية الحلف مؤخراً، من العجز في ميزانية المنظمة، ودعا إلى زيادة مشاركة الدول الأعضاء وزيادة مساهماتهم لتعزيز ميزانية الناتو، لكن من ناحية أخرى، يختلف أعضاء الناتو بشدة حول حصة بعضهم البعض في ميزانية هذا الحلف.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هاجم مرارًا وتكرارًا الحلفاء في الناتو وكندا لفشلهم في الوفاء بوعودهم بشأن إنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الميزانية الدفاعية، ودعا إلى زيادة مشاركة الأعضاء الآخرين، ولكن لم يرحب الأعضاء الآخرون بهذا الطلب، فأعلنت واشنطن بدورها أنها ستخفض مساهمتها في ميزانية الناتو.
بحسب الاحصائيات، أمريكا التي تبلغ ميزانيتها العسكرية 686 مليار دولار، تکفلت بما يقرب من 72٪ من إجمالي ميزانية الناتو في عام 2017. حيث بلغ إجمالي الميزانية العسكرية لحلف الناتو المتألف من 29 عضوًا 957 مليار دولار في هذا العام.
بعد أمريكا، کانت بريطانيا ثاني أعلى ميزانية عسكرية لحلف الناتو بمبلغ 55 مليار دولار في عام 2017، وتليها فرنسا بـ 46 مليار، وألمانيا بـ45 مليار. هذا في حين أن ألمانيا رغم كونها أكبر اقتصاد في أوروبا، قد خصصت 1.24 في المئة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، ما جعل ترامب يوجِّه لها انتقادات شديدة.
في الوقت الحالي، إن أحد الخلافات الرئيسة بين أمريكا والدول الأوروبية في موضوع تمويل الناتو، هو التمويل غير المباشر لهذا الحلف.
ووفقًا لقرار أعضاء الناتو في سبتمبر 2014، تعهدت الدول الأعضاء بزيادة ميزانيتها الدفاعية تدريجياً على مدى عشر سنوات إلى حوالي 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي. وحتى الآن، امتثلت اليونان وإستونيا وبريطانيا وبولندا بهذا الالتزام الدفاعي فحسب.
من ناحية أخرى، إن الفارق الملحوظ في القدرة العسكرية للدول الأعضاء في الناتو، من الخلافات الأخری في هذا الحلف. بحيث إن تلك الدول الأوروبية التي واجهت أزمةً اقتصاديةً في السنوات الأخيرة، قد رفضت زيادة ميزانيتها العسكرية، خاصةً أنها يجب أن تخفض من ميزانيات الرفاه والتعليم والخدمات العامة لزيادة الإنفاق العسكري، مما سيتسبب في الاستياء المحلي.
کما تشعر الدول الأوروبية أيضًا بالقلق من أن أمريكا التي توفر أكثر من 70٪ من ميزانية الناتو، تسعى إلى زيادة نفوذها في هذا التحالف العسكري في مجال تحديد مهام الناتو وفحواها.
وحتی على الرغم من أن بعض المسؤولين الأمريكيين قد تحدثوا مؤخرًا عن خفض حصتهم في تمويل الناتو، إلا أن أمريكا تظل المصدر الرئيس لتمويل الناتو، وفي هذه الظروف يظل الأوروبيون متشائمين بشأن تأثير البيت الأبيض على الناتو.
مع ذلك، إذا تم تخفيض مساهمة أمريكا في ميزانية الناتو، فإن هذه المنظمة التي تری بعض الدول الأوروبية أن أمريكا تسعی للهيمنة عليها، ستواجه تحدياً كبيراً في الوفاء بمهمتها وأهدافها، وسيكون ذلك عقبةً كبيرةً أمام مستقبل الناتو.