الوقت- يبدو أن الإصلاحات في السعودية، التي غيّرت أكثر من أي شيء آخر، أسلوب صنع السياسة في البلاد، تحتوي في طياتها على قدر كبير من الشكوك والغموض بشأن المستقبل، ويسعى الوجه التقليدي للحكومة في السعودية، والذي كان قائماً إلى حد كبير على العلاقات القبلية والعشائرية، للتحول إلى نظام دكتاتوري شامل عن طريق تنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها العاهل السعودي محمد بن سلمان.
لا ينبغي غضّ النظر عن أن الظروف والخصائص المحافظة للدولة والعلاقات الاجتماعية في السعودية تختلف عن تلك الموجودة في الدول العربية الأخرى، والتي على عكس البلدان العربية الأخرى، لم تتأثر منذ الماضي إلى يومنا هذا أبداً بموجات القومية العربية إبان النصف الثاني من القرن العشرين واستطاعت العبور من الموجة الجديدة للصحوة الإسلامية أو "الربيع العربي" بأقل نسبة توترات ممكنة، وهذا يعكس حقيقة أن المجتمع السعودي هو مجتمع قبلي وعشائري ولا يزال بعيداً عن المجتمع المدني ومصالحه.
هذا النمط من الحكم الجديد في السعودية الذي يميل نحو النمط الدكتاتوري، على الرغم من إمكانية قيامه في المجتمعات العربية المدنية مثل مصر والعراق وسوريا وتونس، إلا أن ظروفه غير متوافرة في السعودية إلى الآن، لأنه في مثل هذا المجتمع فقط، يمكن تعبئة الجماهير بالاعتماد على وسائل الإعلام الحديثة، ولا يمكن تحقيق الإصلاحات القادمة من الأعلى على طريقة محمد بن سلمان، دون الدعم الواسع النطاق من قبل الجماهير.
كما كان دعم العلماء الوهابيين وشيوخ العشائر أهم عامل في شرعية الحكومة حتى الآن، وقد أزال المنطق الإصلاحي لمحمد بن سلمان في السعودية إطار الحكومة من الاتفاق التقليدي بين الطبقة الحاكمة، وذهب بها ببطء نحو الفصل بين الحكومة والدين.
هذه القضية التي نَمَت على إثرها القوى الحديثة في السعودية على مدى السنوات الأخيرة بتوجهات حديثة، وبالنظر إلى كون 40% من المجتمع هم من الشباب، ليس بإمكانها تغيير حقيقة أن بنية المجتمع والسلطة في البلاد لا تزال بنية عرقية وقبلية وأن الحكومة تكتسب شرعيتها في الدرجة الأولى من المذهب، لأن هذه القوى الحديثة تنظر إلى الأمير السعودي الجديد ليس كممثلها في هيكل السلطة بل كممثل لذلك الهيكل التقليدي للسلطة، وهذه الحقيقة تحمل دلائل واضحة للمجتمع السعودي الشاب.
هذا الأمير الشاب، على الرغم من أنه ينادي بالعديد من الحقوق الاجتماعية مثل حق المرأة في قيادة وإلغاء الوصاية وحرية الموسيقى والحفلات الموسيقية وغيرها من الإصلاحات الاجتماعية في البلاد، فقد سجن المئات من هذه القوى التي عملت لسنوات لممارسة هذه الحقوق ويقتل منتقدي حكومته وسياساته بأقل رحمة ويحرق أجسادهم في الأحماض، كما يضيّع قدراً كبيراً من ميزانية البلاد في الحرب الفاشلة في اليمن، وفي الوقت الذي تكون أعداد كبيرة من هؤلاء الشباب عادة ما عاطلة عن العمل أو منخفضة الدخل، فإن الأمير الشاب يفرض قبضته على جميع المناصب الحكومية بعطش لا يمكن كبحه، ويتفاخر في حياته الباذخة في جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحجم الهائل لبرامج التنمية التي ينفذها ابن سلمان على عجل يمكن أن يزيد من حجم السيولة ويخلق التضخم والأزمات الاقتصادية في البلاد، والتي يمكن أن تؤدي وحدها إلى أزمات سياسية واجتماعية مختلفة في هذا البلد، وقد يؤدي التنفيذ الفوري للإصلاحات الاجتماعية إلى تفاقم الصراعات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، خلال العامين الماضيين، كانت هناك تقارير عديدة عن اعتداءات على سائقات أو هجمات على حفلات موسيقية في مدن مختلفة في جميع أنحاء البلاد.
ومن ناحية أخرى، فان التنمية ليست مسألة محايدة أو اقتصادية بحتة، التنمية بحاجة إلى تعطيل أسلوب احتكار المصالح من مختلف الأطراف، كما لا تؤدي التنمية إلى تعزيز النزاعات في المجتمعات التقليدية فحسب، بل إنها تنطوي في داخلها أيضاً على تضارب خطير في المصالح، وسيكون على ابن سلمان الدخول في صراع مع مصالح الأطراف التي لا تزال لديها حصة كبيرة في هيكل السلطة في السعودية أو الذين ما زالوا يؤيدون استمرار السياسات السابقة لمصلحتهم.
لذلك، فإن مستقبل الإصلاح في هذا البلد مليء بالعديد من الانقسامات والفجوات، من الانقسام بين الحكومة والدين إلى الانقسامات الاجتماعية التي ستتحرك تدريجياً نحو التطرف، ويجب على الأمير السعودي أن يحاول اجتيازها، ولكنه يعلم أيضاً أنه لا يمكنه الاعتماد على الطبقة الوسطى في مجتمعه للتغلب على هذه الأزمات، الطبقة التي تسعى للإصلاح السياسي والمشاركة في السلطة إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ومن خلال هذا الوصف، يبدو أن ترامب ومحمد بن زايد والجنرال سيسي والخليفة حفتر هم حالياً أربعة أشخاص يمكن لابن سلمان الاعتماد عليهم لدعمه في استمرار الإصلاحات في هذا البلد.