الوقت- "يبدو أنّ سكين الموت لم يرتوِ من دمائنا، فاستعان بسكين الجهل الذي أراه قاتلنا في قادم الأيام"، بهذه الكلمات اختزلت أمٌ سورية معاناتها مع أبنائها، وبهذه الكلمات ساوت الأم بين أساليب "القتل" التي يستخدمها الإرهاب للقضاء على الطفولة، فمن نجا من سكين الذبح عاش في خيمة الجهل التي نصبها التكفيريون أو اقتيد إلى معسكرات الموت لتذبح إنسانيته ليغدو آلةً من آلات القتل وليعيش طفولته بين روائح الدماء وأشلاء الضحايا.
إجرام الجماعات الإرهابية وخاصةً تنظيم داعش لا يقتصر على القتل، فالتجنيد ومنع العلم من أهم الاستراتيجيات التي تتبعها هذه المنظمات، ولم تغب طيلة الأعوام الماضية مشاهد تجنيد الأطفال ودفعهم لقطع الرؤوس وتنفيذ الإعدامات، فلقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني أول عملية إعدام معلنة ينفذها أطفال، إذ قام وقتها طفلان بإعدام مقاتلين من التنظيم نفسه بحجة "العمالة"، كما ذكرت مصادر أخرى في مارس/آذار من العام الجاري أن تسعة أطفال شاركوا في عملية إعدام نفذها تنظيم داعش الإرهابي في محافظة حماة، ولا يقتصر الأمر على إشراك الأطفال في عمليات الإعدام، فأرض المعارك لا تخْلو من الأطفال الذين يدربهم التنظيم في معسكراتٍ يطلق عليها "أشبال الخلافة"، وللأطفال نصيبٌ في العمليات الانتحارية أيضاً، فالمرصد السوري لحقوق الإنسان كان قد وثق مقتل 52 طفلاً دون سن الـ16 عاماً كان تنظيم داعش الإرهابي قد جندهم في وقتٍ سابق، ومن بين هؤلاء القتلى ما يزيد عن 18 نفذوا عملياتٍ انتحارية.
ويستغل تنظيم داعش الإرهابي فقرَ الأطفال ويُتْمَهُم ليجندهم في صفوفه، وبالتزامن مع إعدادهم العسكري يقوم بإعدادهم المعنوي أيضاً من خلال عمليات غسل الدماغ التي تجري تحت مسمى "الدورات الشرعية"، وبعد الإنتهاء من الإعداد العسكري والمعنوي يكون الطفل قد أصبح من حيث الإجرام كأي فردٍ من أفراد التنظيم، وهذا ما يدق ناقوس الخطر، فعناصر التنظيم الكبار في السن كانوا قبل انضمامهم إلى صفوف هذا التنظيم أناساً عاديين، يعيشون حياةً طبيعية، ومن بعدها تحولوا إلى قتلة، أما هؤلاء الأطفال فإن إنسانيتهم ذبحت منذ نعومة أظفارهم، وترعرعوا على القتل والذبح منذ صغرهم، أي أنهم لم يروا في الحياة إلا القتل وسفك الدماء، وهذا ما ينبئ بأن هؤلاء الأطفال سيكونون في المستقبل أكثر قسوةً وإجراماً من أفراد التنظيم الحاليين.
ويزداد خطر هؤلاء الأطفال عندما سينهار تنظيم داعش الإرهابي، فهؤلاء سينتشرون داخل المجتمعات المدنية، وهذا ما يجعل المنطقة في المستقبل مهددةً بازدياد الجرائم وأعمال العنف، وخاصةً أن عدد الأطفال التي يجندها التنظيم أصبح أكبر بسبب فقدانه الكثير من العناصر، بالإضافة إلى المحدودية التي بات يواجهها في جلب المقاتلين الأجانب، والجدير بالذكر أن الأطفال الذين لم يجندهم التنظيم الإرهابي يعانون من الجهل بسبب إقدام هذا التنظيم على إغلاق المدارس في مناطق سيطرته، وهذا ما يزيد من المخاطر التي تهدد مستقبل المنطقة.
رغم خطورة هذه الظاهرة على المجتمع المدني، ورغم وجود اتفاقات ومعاهدات دولية تُجرّم إقحام الأطفال في الصراعات كمعاهدة أوتاوا عام 1997، إلا أن الكثير من الدول ومن بينها بعض الدول العربية لا تلتزم بهذه الاتفاقيات، كما أن المجتمع الدولي يتسم بازدواجية المعايير، فرغم الجرائم الإنسانية المتنوعة التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية، لا يزال القرار الدولي بمحاربة هذه التنظيمات غير جدي، ولا يزال القانون الدولي عاجزاً عن محاسبة الدول التي تدعم وتمول هذه التنظيمات.
تجنيد الأطفال وتدريبهم على العنف والقتل يعد من الظواهر الخطيرة وخاصة مع عجز المجتمع الدولي عن وضع حدٍ لها، ولا تقتصر تبعات هذه الظاهرة على الوقت الراهن فحسب، بل ستنعكس أيضاً على مستقبل المنطقة وستؤثر سلباً على المجتمع، وهذا ما يستدعي العمل السريع والجاد والموحد لمحاربة هذه الظاهرة من خلال القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه ومحاسبة الداعمين والممولين، وإلا فإن المجتمع الدولي سيكون شريكاً في جرائم الإرهاب هذه.