الوقت - تحوّلت الاحتجاجات العراقية، التي بدأت سلميةً عشية مسيرة الأربعين، إلى مظاهرات عنيفة في أقل من شهر، وتغيّرت طبيعة الشعارات إلى تغييرات سياسية أساسية، وفي غضون ذلك، بمرور الوقت يكشف القناع عن الوجوه الخفية وراء المظاهرات العراقية.
بالأمس، أعلن مسؤول أمني عراقي عن كشف واعتقال شبكة استخبارات تابعة للإمارات، بما في ذلك بعض اللبنانيين والعراقيين، وكانت مهمتهم إدارة المظاهرات الشعبية والعمليات الخطيرة ضد العراق بموارد مالية ضخمة.
الأيدي الخفية الأجنبية
قالت إذاعة "صوت العراق" حول شبكة التسلل الإماراتية: "ترتبط هذه الشبكة التي تتبع جهاز المخابرات الإماراتي بـ "طحنون بن زايد" مستشار الأمن القومي في الإمارات ومسؤول المعلومات الخارجية".
في بداية المظاهرات، كان بعض الناس يوزّعون المواد الغذائية وبعض ما يحتاجه الناس من أجل إبقاء الناس في الشوارع لفترة أطول، وكان ذلك نوعاً من النسخ والتنافس مع طقوس الأربعين ولكن بغايات سياسية.
وفقاً لشهود العيان في ميدان التحرير ببغداد، والذي يعدّ أحد الأماكن الرئيسة للمظاهرات، يتحدّث بعض الأشخاص المجهولين مع المحتجين بشكل فردي وسري، وبحوزتهم أموال ضخمة بين 40 إلى 50 مليون دينار عراقي، ويقومون بإغوائهم، كما أنهم يحاولون إثارة الاحتجاجات وتعزيز العنف من خلال نشر شائعات بأن الناس يقتلون في الشوارع.
جرى اعتقال اثنين من هؤلاء وهما لبنانيان، تم تكليفهما بتمويل الفريق، بواسطة طحنون بن زايد، مستشار ولي العهد الإماراتي.
ولإنهاء هذه الفضيحة، أجرت الإمارات عبر طحنون بن زايد اتصالات مع الدول الغربية للتوسط من أجل إطلاق سراحهما من قبل العراق.
ومع ذلك، لم يكن التدخل الأجنبي في الاحتجاجات العراقية قضيةً مفاجئةً أو غير متوقعة.
تتألف شبكة المنظمات الأجنبية للتحريض على الاحتجاجات العراقية، تماماً مثل أجزاء أخرى من المنطقة، كسوريا وأفغانستان ولبنان، من السعودية والإمارات وأمريكا، والكيان الإسرائيلي بشكل خفي جداً.
يتدخل الكيان الإسرائيلي في الاحتجاجات العراقية من خلال "محمد دحلان" أحد مستشاري ولي عهد أبو ظبي، وقد أفادت التقارير بأن السعودية قد تكفلت بنفقات هذه العملية المعقدة البالغة 150 مليون دولار، لكن في مجال العمليات، توجد غرفتان، إحداهما في السفارة الأمريكية والأخرى في السليمانية بإقليم كردستان العراق.
ويقوم المرتزقة وبعض المؤسسات المدنية التابعة للسفارة الأمريكية في العراق بعمليات النفوذ والتوجيه هذه، يصل عدد هذه المؤسسات إلى 50 ألف مؤسسة، بتكلفة سنوية تبلغ حوالي 701 مليون دولار.
الحقيقة هي أن أمريكا تمكّنت من التسلل إلى بعض الطبقات الأمنية العراقية وتوظيف أشخاص لمصلحة السعودية، وفي رسالة كشفت مؤخراً من مسؤول أمني عراقي إلى مكتب الملك السعودي، تتمثل مهمتهم في جلب الناس إلى الشوارع والترويج للعنف.
التخطيط والأهداف طويلة الأجل
يمكن ملاحظة التخطيط المسبق للاحتجاجات العراقية في مصدرين على الأقل، أحدها تصريحات "قيس الخزعلي" زعيم حركة عصائب أهل الحق، الذي كشف النقاب في سبتمبر قبل شهر من المظاهرات، بناءً على معلوماته، عن إجراءات لإسقاط الحكومة في المستقبل.
والمصدر الثاني هو تصريحات وزير دولة لشؤون الخليج الفارسي بوزارة الخارجية السعودية "ثامر السبهان"، الذي وعد ضيوفه في الصيف الماضي بأن تكون هناك مظاهرات كبيرة ومختلفة في العراق في أكتوبر، وكان الهدف من هذا التخطيط، اشتباكات بين الشيعة.
في انتخابات 2018، حصل تحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر على أكبر عدد من الأصوات، وحصلت قائمة "فتح" التي يقودها هادي العامري قائد الحشد الشعبي على المركز الثاني، أما تحالف "النصر" بقيادة حيدر العبادي فقد فاز بالمركز الثالث في المنافسة الانتخابية.
لم يكن هذا المزيج السياسي في العراق مقبولاً بالنسبة لأمريكا والكيان الإسرائيلي اللتين تسعيان إلى فرض حصار سياسي واقتصادي على إيران في العقوبات وتقليل نفوذ طهران، وما حدث في الاحتجاجات، كان نتيجةً لشبكة متعددة البلدان شكلت طبيعة الشعارات ضد الحكم العراقي الحالي، سواء في الفضاء الإلكتروني أم في الميدان.
لقد أضرمت النار في عدد من المباني الحكومية والأحزاب الشيعية والقوات المتحالفة مع محور المقاومة، مثل فيلق البدر وعصائب أهل الحق وآخرين، وكانت هذه الدول تأمل في أن يدخل الحشد الشعبي بعد تصاعد العنف لقمع المظاهرات ومواجهة الشعب العراقي والمتظاهرين الشيعة.
ووفقاً لصحيفة الأخبار، فقد ركّزت احتجاجات أكتوبر على ثلاث نقاط رئيسة: "الأولى، إغلاق جميع الطرق الخارجية في بغداد وفصلها عن المحافظات الأخرى، الثانية، إغلاق المطار "لعدم هروب" أي من المسؤولين، والثالثة: دخول المنطقة الخضراء في بغداد وتدمير المؤسسات الحكومية".
ولتحقيق جميع الأهداف، فإن أول شخص يجب إزالته من المشهد السياسي العراقي هو رئيس الوزراء العراقي "عادل المهدي"، الذي يحتل موقع الصدارة في الحكم العراقي الحالي، ومع إزالته سيجري دومينيو إزالة المسؤولين الآخرين.
مع إقالة "عبد الوهاب السامري" من قيادة جهاز مكافحة الإرهاب وانتقاله إلى منصب آخر في وزارة الدفاع بأمر من عادل عبد المهدي، توفرت الذريعة لمهاجمة رئيس الوزراء العراقي والتهجم عليه في الرأي العام العراقي من قبل أجهزة أجنبية.
لكن السبب الرئيس للعداء يعود إلى جهود عبد المهدي في استعادة الظروف المستقرة للعلاقات بين إيران والعراق وسوريا.
لقد أقدم عبد المهدي على إعادة افتتاح معبر "القائم-البوكمال" الاستراتيجي بين سوريا والعراق، رغم التحذيرات الأمريكية والغارات الجوية الإسرائيلية، وكانت هذه الخطوة تهديداً للكيان الإسرائيلي وأمريكا، لأنها كانت تقضي على سنوات من الجهود المستمرة للحفاظ على عدم الاستقرار في العراق وسوريا، ذلك أن هذا المعبر يربط عواصم "طهران - بغداد - دمشق - بيروت" ببعضها البعض وبالبحر الأبيض المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك، بعد رفض تجديد الإعفاءات النفطية الخاصة بإيران في مايو، والموجة الثانية من الضغط على إيران، أحبط عبد المهدي مؤامرات الأشهر الثمانية الماضية لإثارة الخلاف بين البلدين، بما في ذلك ثلاث هجمات صاروخية على المنطقة الخضراء ببغداد.
وقد أدت جهود عبد المهدي هذه إلى تقريب العراق من إيران وسوريا، وتحدى استراتيجية إدارة ترامب بقطع النفوذ الإيراني في العراق.
تعود جذور الفساد والمشكلات الاقتصادية في العراق إلى انعدام الأمن وعدم الاستقرار في السنوات القليلة الماضية، ما أدى بالحكومة إلى إنفاق مبالغ كبيرة لمواجهة داعش، كما دخلت مجموعات سياسية مختلفة إلى الانتخابات والمشاركة السياسية بهدف الابتزاز من انعدام الأمن، وكانت النتيجة توزيعاَ غير متناسب لبعض الفرص والمحسوبيات وما ينتج عنها من فساد اقتصادي.
لكن انتشار العنف في الاحتجاجات العراقية في الوضع الحالي، على عكس المصالح العامة والاقتصادية للشعب العراقي، له طبيعة سياسية بحتة تصبّ في مصلحة البلدان الأجنبية والعناصر المتبقية من حزب البعث والقومية العربية.