الوقت – نزل مئات اللبنانيين إلى شوارع بيروت يوم الأحد الماضي، وردَّدوا هتافات ضد الفساد في الحكومة والوضع الاقتصادي السيّئ، ودعوا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط لحل المشكلات، وامتدت المظاهرات بسرعة إلى عدة مدن رئيسة أخرى في لبنان، بما في ذلك بعلبك والهرمل.
لقد واجه لبنان أزمةً ماليةً واقتصاديةً على مدار العامين الماضيين. وفي فترة الانتخابات البرلمانية اللبنانية، بدأت مناقشات وتحديات بين مختلف الأطراف حول كيفية الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب، والتي انتهت باتفاقات، ولكن الآن مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد الوضع الاقتصادي، تفاجأت النخب السياسية اللبنانية بذلك.
بدء الاحتجاجات
بدأت المظاهرات في بيروت عند ساحة "الشهداء" وساحة "رياض الصلح"، وردَّد المتظاهرون شعارات ضد الفساد وتوجّهوا نحو مبنى الحكومة والبرلمان، وفي بعض الشعارات، طالب الناس بإسقاط الحكومة الحالية.
لم يكن عدد المتظاهرين كبيراً، لكن الاحتجاجات امتدت بسرعة إلى مدن "بعلبك" شرق لبنان ومدينة الهرمل في محافظتي البقاع وصيدا جنوب لبنان.
وفي طرابلس، وهي ثاني أكبر مدن لبنان، أحرقوا صور رئيس الوزراء "سعد الحريري"، كما تجمّع المحتجون في هذه المدينة بالقرب من منزل رئيس الوزراء الأسبق "نجيب ميقاتي" وزعيم حركة "مجد"، وكانت الشعارات تركّز على مكافحة الفساد.
كانت بعض شعارات الناس مماثلةً لشعارات "الربيع العربي" في 2011، لكن بعض المتظاهرين رددوا شعارات أكثر اعتدالاً ومنعوا الشباب من الاشتباك مع قوات الأمن.
الوضع الاقتصادي في لبنان
ثلاث فترات إصلاحية اقتصادية ناجحة في لبنان من 1940 إلى 2006، جعلت لبنان لا يواجه تحديات اقتصادية خطيرة حتى في الحالات الحرجة مثل حرب الـ 33 يوماً، ولكن مع بداية الحرب في سوريا، بدأ الاقتصاد اللبناني أيضاً يعاني من المشكلات.
بالطبع، نتج جزء من هذه المشكلات عن الإفراط في إضفاء الطابع الحكومي على الاقتصاد اللبناني على مدى السنوات القليلة الماضية، بحيث بالتزامن مع تقليل الحرية الاقتصادية والقدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني، من متوسط الـ 60 في عام 2012 إلى 54 في عام 2016، بدأ معدل النمو الاقتصادي في لبنان في الانخفاض، وحذّر العديد من الاقتصاديين من زيادة 140 في المئة في الدين الحكومي.
حالياً، الحكومة اللبنانية، التي تبلغ ديونها 86 مليار دولار، هي من بين البلدان الأربعة التي لديها أكبر ديون في العالم.
وفي ضوء ما تقدم، بدأت الحكومة اللبنانية سياسة التقشف الاقتصادي قبل ثلاثة أشهر، على ركائز أربع هي "إنشاء القاعدة المالية"، "زيادة ضريبة الوقود"، "إلغاء دعم الطاقة" و"زيادة التغطية الضريبية".
ونتيجة هذه الوصفة الاقتصادية الحالية هي عدم الرضا العام عن الظروف المعيشية، حيث خسرت الليرة اللبنانية في الأشهر الثلاثة الماضية سبعة ونصف في المئة، وبلغ سعر الدولار الواحد 1515 ليرة في الأيام الأخيرة.
الجذور السياسية للاحتجاجات
بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية الملموسة في لبنان، فإن التيارات السياسية في حالة يرثى لها، حيث يتهم كل منها الطرف الآخر بالقصور أو استغلال السلطة.
وقد اتهمت بعض وكالات الأنباء اللبنانية شبكةً لبنانيةً وسوريةً وفلسطينيةً مقربةً من سوريا، بسبب عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي في لبنان، واعتبر آخرون أن السبب في تأزُّم العملة المفاجئ، هو التحويل المفرط للعملة المحلية من قبل تجار القمح وزيادة الطلب من البنوك لتحويل الدولار.
الأحزاب التي تقود الاحتجاجات علناً، هي حزب "الحركة الشعبية"، وهو حزب يساري، وحزب "سبعة" الجديد الذي أعلن عن نفسه حزباً وطنياً.
العديد من شعارات المحتجين مماثلة لشعارات حزب "سبعة"، الذي وضع شعاره على مبدأ الشفافية المالية ومكافحة الفساد.
ويرى البعض أن الاحتجاجات الحالية في لبنان تشبه احتجاجات عام 1992، حين خرج الناس للاحتجاج على انخفاض قيمة العملة الوطنية، وفي مايو من ذلك العام، استقال "عمر كرامي" بعد عامين من رئاسته لمجلس الوزراء.
ويرى البعض أن العقوبات الأمريكية ضد حزب الله وبعض نوابه في البرلمان، أحد أسباب الضغوط الاقتصادية في لبنان، ورغم أن حزب الله لديه ثلاثة نواب فقط في البرلمان، أضافت وزارة الخزانة الأمريكية اثنين من هؤلاء إلى قائمة العقوبات في يوليو.
وذكرت صحيفة "النهار" اللبنانية أن الدافع الأمريكي وراء هذه العقوبات، هو سوق لبنان نحو الحرب الأهلية.
وفي سبتمبر أيضاً، تم فرض المزيد من العقوبات على حزب الله، ووضع البنك اللبناني "جمال ترست" على قائمة العقوبات الأمريكية بحجة ارتباطه بحزب الله.
ويقيِّم العديد من الخبراء أن العقوبات الأمريكية والضغوط الاقتصادية تهدف للضغط بشكل سري على البنك المركزي اللبناني.
ويلقي بعض المسؤولين اللبنانيين باللوم على رئيس البنك المركزي "رياض سلامة" ويعتبرونه المسؤول عن الأوضاع الراهنة.
ورغم أن هذه الاحتجاجات لم تتأثر إلى حد كبير بالتدخل الأجنبي، إلا أنها تنبع من الافتقار إلى الوحدة الإجرائية والتوافق بين مختلف الجماعات والأحزاب السياسية اللبنانية.
في هذا الصدد، قالت "مها يحيى" مديرة مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط في بيروت: هذه الاحتجاجات هي استجابة للانقسام المتزايد بين النخبة السياسية وقواعدهم.
بما أن الأحزاب اللبنانية الرئيسة لم تتدخل حتى الآن في تكثيف الاحتجاجات اللبنانية، ومن ناحية أخرى، رضيت لهذه الأحزاب بنوع من توازن القوى في الانتخابات البرلمانية، فبالتالي لا يبدو أن هذه الأحزاب ومن خلال تأجيجها للاحتجاجات، تميل إلى حرب سياسية جديدة واستغلال الحكومات الأجنبية.