الوقت- شهدت العلاقات الدولية والإقليمية تطوراً جديداً مع إعلان سوريا عن انضمامها رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، هذه الخطوة التي تبدو في ظاهرها إجراءً أمنياً ضد الإرهاب، تحمل في طياتها رسائل سياسية واستراتيجية، وتطرح تساؤلات حول تأثيرها الفعلي على الوضع الداخلي السوري، وعلى التوازنات الإقليمية والدولية.
الانضمام الرسمي يمثل مؤشراً مهماً على رغبة السلطات الحالية في سوريا في إعادة ترتيب موقع البلاد على الساحة الدولية، وربما محاولة لتخفيف العزلة التي واجهتها خلال السنوات الماضية، كما أنه يفتح الباب أمام تقييم جدية سوريا كشريك محتمل في جهود مكافحة الإرهاب، ومدى استعدادها لتحمل التزامات عملية ضمن التحالف.
دوافع الانضمام والتوقيت الحرج
انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق السياسي والأمني الحالي، الجهات الفاعلة في سوريا تواجه ضغوطاً كبيرة من المجتمع الدولي بسبب الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، كما أن التوقيت يعكس اهتمام السلطات بتثبيت موقفها قبل أي تحولات إقليمية محتملة، وخصوصاً مع استمرار التحديات الأمنية، التحليل يظهر أن الجهات الفاعلة في سوريا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إرسال رسالة مزدوجة، الأولى إلى المجتمع الدولي، مفادها بأنها شريك محتمل في الجهود الأمنية ضد الإرهاب؛ والثانية إلى القوى الإقليمية، بأن لديها القدرة على لعب دور في صياغة التوازنات المستقبلية.
التأثير المحتمل على التعاون الدولي
الانضمام الرسمي لسوريا إلى التحالف الدولي يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الأمني، لكنه لا يضمن بالضرورة تحقيق نتائج فعلية على الأرض، المشاركة الرمزية قد تكون البداية نحو تعاون أوسع، لكنها تحتاج إلى التزام حقيقي وتنفيذ عملي لمهام التحالف، من الناحية الاستراتيجية، هذا الانضمام يتيح للسلطات الحالية فرصة تحسين علاقاتها الدولية وتخفيف العزلة التي واجهتها لسنوات، ويضعها ضمن شبكة أوسع من التنسيق الأمني ضد التنظيمات الإرهابية.
مع ذلك، يظل السؤال الأكبر حول قدرة التحالف على تقييم جدية هذه المشاركة، ومدى استعداد سوريا لتخصيص الموارد والإمكانات اللازمة لدعم العمليات المشتركة، الانضمام قد يكون مفيداً في جوانب الاستخبارات ومشاركة المعلومات، لكن العمليات العسكرية المشتركة تتطلب تنسيقاً دقيقاً مع الأطراف الأخرى، وهو ما قد يواجه عقبات بسبب تعقيدات العلاقات الدولية المحيطة بسوريا.
تداعيات الانضمام على الوضع الداخلي
على الصعيد الداخلي، يمثل هذا الانضمام أداة محتملة لتعزيز الأمن وتقوية موقف السلطات الحالية، مواجهة "داعش" تتطلب قدرات عسكرية وتنظيمية، والانضمام إلى التحالف يوفر للجهات الفاعلة في سوريا منصة لتبرير إجراءات أمنية أوسع، كما قد يساهم هذا الانضمام في تحسين صورة السلطات لدى المواطنين، وخصوصاً في المناطق التي تأثرت بالنشاط الإرهابي.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو مدى قدرة الجهات الفاعلة في سوريا على تنفيذ التزاماتها تجاه التحالف في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانقسامات القوى الداخلية، فالمشاركة الرسمية لا تعني بالضرورة قدرة حقيقية على تحقيق تغييرات ملموسة على الأرض، وهو ما قد يحد من تأثير هذه الخطوة في المدى الطويل.
التأثير الإقليمي والدولي
التحليل يظهر أن خطوة سوريا لها انعكاسات واضحة على التوازنات الإقليمية والدولية، على الصعيد الإقليمي، يمكن أن تكون الرسالة مفادها بأن الجهات الفاعلة في سوريا تحاول إعادة ترتيب علاقاتها وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي التقليدي، أما بالنسبة للدول الأخرى في المنطقة، فإن الانضمام يعكس رغبة سوريا في إعادة تثبيت نفوذها على الساحة الإقليمية.
على الصعيد الدولي، الانضمام يمثل رسالة للغرب والأمم المتحدة بأن سوريا يمكن أن تكون شريكاً في الجهود الأمنية، ما قد يفتح المجال لمناقشات حول تسهيلات اقتصادية وسياسية مستقبلية، بما في ذلك تقليص العقوبات وتحسين العلاقات الدبلوماسية، ومع ذلك، يبقى التساؤل حول مدى ثقة المجتمع الدولي بقدرة الجهات الفاعلة الحالية في سوريا على الالتزام بالمعايير الدولية، وهو عامل أساسي لتقييم نجاح هذه الخطوة.
التحديات الحقيقية أمام الانضمام
على الرغم من الرمزية الإيجابية لهذه الخطوة، إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تحد من فعاليتها، أولاً، قدرة الجهات الفاعلة في سوريا على تنفيذ الالتزامات الفعلية محدودة بسبب الوضع الاقتصادي والأمني الصعب، ثانياً، الثقة المتبادلة بين سوريا وبقية أعضاء التحالف تمثل عقبة، وخصوصاً أن العلاقات السابقة كانت مليئة بالتوترات وعدم اليقين، ثالثاً، ردود الفعل الإقليمية قد تشكل ضغطاً إضافياً، بينما قد تنتظر القوى الأخرى مثل تركيا و"إسرائيل" مراقبة النتائج قبل اتخاذ أي موقف.
تجاوز هذه التحديات يتطلب استراتيجية واضحة من الجهات الفاعلة في سوريا، تشمل الالتزام العملي بالتعاون الأمني، وتقديم خطوات ملموسة تعكس جدية المشاركة، والتواصل المستمر مع القوى الدولية والإقليمية لضمان عدم تكرار الصراعات السابقة.
في النهاية، انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" خطوة رمزية تحمل معانٍ سياسية واستراتيجية مهمة، على الرغم من التحديات التي قد تواجهها الجهات الفاعلة في سوريا في تنفيذ التزاماتها، فإن هذه الخطوة تعكس رغبتها في تحسين صورتها الدولية، وإرسال رسائل سياسية متعددة الأطراف، سواء للمجتمع الدولي أو القوى الإقليمية، التأثير الفعلي لهذه المشاركة سيعتمد على القدرة على التحرك بفاعلية على الأرض، ومدى نجاح الجهات الفاعلة في التوازن بين المصالح الداخلية والالتزامات الدولية، وهو ما سيحدد ما إذا كانت هذه الخطوة بداية تحول استراتيجي حقيقي أو مجرد إعلان رمزي.
