الوقت- وصل وزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند إلى طهران يوم الأحد 23 أغسطس/آب للمشاركة في إعادة افتتاح سفارة بلاده، وهذه الزيارة هي الثانية لوزير خارجية بريطاني إلى إيران منذ انتصار الثورة الاسلامية في عام 1979، بعد الزيارة اليتيمة التي قام بها وزير الخارجية السابق جاك سترو في عام 2003.
ورافق هاموند في زيارته، وفد من الرواد في مجال الأعمال البريطانية، إضافة إلى مسؤول الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، سيمون غاس، الذي مثّل بريطانيا في ماراثون مفاوضات الاتفاق النووي، وهو ما يدل على أن الزيارة تحمل أهدافاً اقتصادية، إلى جانب الهدف السياسي.
واعتبر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قبيل زيارته الرسمية الى ايران، أن افتتاح سفارة بلاده في طهران، يشكل مرحلة أساسية في تحسن العلاقات الثنائية بين الجانبين على كافة الصعد بما فيها الاقتصادية والتجارية واصفاً الخطوة بالتاريخية، فيما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "إن إيران لم تغلق سفارة بريطانيا وهم من أغلقوها" مضيفاً "لدينا خلاف في وجهات النظر مع الحكومة البريطانية لكن يمكننا التحاور والسير قدماً بأسلوب جدي ودقيق وحذر".
وتأتي الزيارة ضمن دائرة التحركات الأوروبية الأخيرة تجاه تطبيع العلاقات مع إيران، وذلك بعد الاتفاق النووي الذي أبرم في العاصمة النمساوية "فينا" بين إيران والدول العالمية الكبرى، حيث سبق زيارة وزير الخارجية البريطاني سلسلة من الزيارات لمسؤولين أوروبيين، على رأسهم نائب المستشارة الألمانية " سيغمار غابريال"، ووزير خارجية فرنسا "لوران فابيوس".
وتكتسب زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى طهران أهمية خاصة، كونها مؤشر قوى على مدى الحماس الغربي للانفتاح على إيران، فالعلاقة بين الجانبين اتسمت منذ انتصار الثورة الاسلامية بالتوتر، وفي أحسن الظروف بالفتور، حيث مازالت بريطانيا توصف في أدبيات السياسة الإيرانية بـ "الثعلب العجوز"، وبقي اسمها على الدوام مقترناً بأمريکا والاستكبار العالمي، حيث أن هناك حساسية خاصة في الأوساط الإيرانية تجاه بريطانيا بسبب التاريخ القاتم للتدخلات البريطانية في الشؤون الإيرانية الداخلية.
وفي بداية الزيارة قام هاموند بافتتاح سفارة بلاده في طهران التي ظلت منذ العام 2011 مغلقة، بعدما اقتحمها متظاهرون معارضون بسبب تشديد الحظر علی بلادهم علی خلفية البرنامج النووي الإيراني، وأغلقت في الوقت ذاته سفارة الجمهورية الإسلامية في العاصمة البريطانية.
ومن المقرر أن يكون التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى القائم بالأعمال، فيما أعرب وزیر الخارجیة البریطانی فیلیب هاموند عن أمله في أن ترتقي العلاقات الثنائیة بین طهران ولندن إلی مستوی تبادل السفراء خلال الأشهر المقبلة.
هذا الحماس البريطاني تجاه طهران، يصفه مراقبون بأنه جاء مواكبة للخطوات الأوروبية لتطبيع العلاقات مع إيران بعد الاتفاق النووي، حيث تخشى بريطانيا أن تتخلف عن الركب الأوروبي الذي تقاطر إلى إيران بحثاً عن حصة في النشاطات الاقتصادية المرتقبة بعد الانفتاح العالمي على إيران بعيد توقيع الاتفاق النووي، كما أن الدول الأوروبية أصبحت موقنة اليوم للدور الهام للجمهورية الاسلامية في حل أزمات الشرق الأوسط، والتصدي لخطر الارهاب الذي وصل للبوابات الأوروبية.
إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران قوبل بانتقادات من بعض الأوساط الطلابية والحزبية والبرلمانية في إيران، مذكرة بالتاريخ المشهود للسياسات البريطانية المعادية للشعب الإيراني على كافة الصعد، سواء الأمنية أو السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية؛ ودعت هذه الأوساط إلى الالتزام بقرار البرلمان الإيراني الذي ينص على أن "تحسين العلاقات مع بريطانيا مشروط بتغيير سياساتها العدائية تجاه إيران".
وقال رئيس حزب "مؤتلفة" الاسلامي محمد نبي حبيبي، بأنه لا معنى لإعادة فتح السفارة البريطانية دون الرجوع إلى قرار البرلمان الإيراني. وتساءل إن كانت السياسة البريطانية قد شهدت تغييراً تجاه إيران.
من جهتها حذرت وسائل اعلام بريطانية من أن الايرانيين لا يمكن ان يتناسوا بسهولة سياسات بريطانيا العدائية تجاههم، وطالبت وزير الخارجية فيليب هاموند بتقديم اعتذار إلى الشعب الإيراني عن سياسات بريطانيا السابقة.
وقالت صحيفة الغارديان: "ان ايران وقعت اتفاقا حدد بموجبه برنامجها النووي، والذي سيفتح الطريق امام ابرام اتفاقيات تجارية وخلق فرص جديدة للتبادل التجاري". وتابعت: "رغم ان التجار البريطانيين يتلهفون ويمنون انفسهم بعرض منتجاتهم النفطية او تقديم خدماتهم المالية لايران .. الا ان الايرانيين لا يمكن ان يتجاهلوا وينسوا ببساطة تاريخ تعامل بريطانيا معهم".
ونوهت الصحيفة إلى ضرورة ان يقوم وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، بتقديم اعتذار الى الشعب الايراني بسبب السياسة العدوانية التي اعتمدتها بريطانيا ضد هذا الشعب، وذلك خلال مراسم اعادة فتح سفارة بلده لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية.
تبقى هذه الخطوة في سياق التحولات السطحية، ما لم تتزامن مع مساعٍ جادة من قبل بريطانيا بشكل خاص وبقية الدول الغربية بشكل عام، من أجل تغيير سياستهم السابقة تجاه الجمهورية الاسلامية، والتعامل معها على قاعدة الاحترام المتبادل، وضمان حقوقها، بما يتناسب مع المكانة الاقليمية التي تتمتع بها، وربما من السابق لأوانه الحكم على مستقبل العلاقات بين البلدين.