الوقت- منذ ما يقارب العام والكثير من الصحف والشخصيات السياسية والإعلامية والمحللين يتحدّثون عن بداية نهاية الأزمة السورية والبعض اعتبر أن الازمة السورية انتهت، وربطوا ذلك بالتقارير التي تحدّثت عن ان العام 2018 شهد أدنى حصيلة سنوية لضحايا الحرب في سوريا منذ اندلاعها قبل نحو 8 سنوات، وذلك بمقتل حوالي 20 ألف شخص، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس، بالإضافة إلى سيطرة الحكومة السورية على أغلبية أراضي البلاد وغياب دور المعارضة المسلحة والمعارضة في الخارج واختفاء الكثير من هذه الجماعات المعارضة وبقاء بعض الجماعات المسلحة في بؤر تنتشر هنا وهناك داخل سوريا.
لا شك بأن انتصارات الجيش السوري المتتالية والتي حققها بمساعدة الحلفاء سيكون لها دور كبير في الاتجاه نحو حل الأزمة، والتسريع في إرساء الاستقرار والسلام في البلاد، ففي العام 2018 تمكّنت القوات السورية من السيطرة على الغوطة الشرقية، التي كانت تعدّ أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب العاصمة، قبل أن تستعيد لاحقاً كامل محيط دمشق ثم جنوبي البلاد.
وخلال عام 2018، استعادت الحكومة مجمل مناطق المعارضة، خصوصاً تلك الحدودية مع الأردن ومع الجولان المحتل، وليتم تجميع كامل المعارضة في محافظة إدلب.
وفي مطلع العام 2019 بدأت ترتسم صورة أكثر إشراقاً للحكومة السورية التي بدأت تحصد نتائج الانتصار العسكري على المستوى السياسي، إذ بدأت الدول العربية تعيد فتح سفاراتها في سوريا، وكان من أبرز هذه الدول الإمارات وتبعتها البحرين، وهناك أحاديث متداولة عن قرب إعادة فتح السفارة السعودية في سوريا؛ طبعاً كل هذه التفاصيل وغيرها أكدت للقاصي والداني أن الحكومة السورية هي من تفرض كلمتها الآن وأن الكلمة الأولى والأخيرة لها ضمن الظرف الحالي، وبكل تأكيد هذا الأمر لم يرق للدول التي دعمت المعارضة المسلحة لكنها مجبورة على التعاطي مع الحكومة السورية لأن الجماعات التي دعمتها هذه الدول لم تستطع الصمود أمام تقدّم الجيش السوري، وما تبقّى من هذه الجماعات المعارضة لا يتعدّى كونه وسيلة ضغط تمارس بعض الدول حالياً للحصول على مكاسب سياسية ومن بين هذه الدول "تركيا" التي لا تدّخر جهداً في إطلاق تصريحات تهدد فيها جميع الأطراف بهدف الحصول على ما تريد.
تركيا اليوم تهدد واشنطن بأنها ستطهّر شرق الفرات من القوات الكردية، وتهدد أوروبا بأنها ستفتح أبوابها أمام اللاجئين لكي يتّجهوا نحو أوروبا، وكل هذا بهدف الحصول على بعض المكاسب السياسية.
إذن الأزمة السورية تقترب من النهاية لكنها لم تنته، لأن هناك العديد من الملفات التي لا تزال شائكة حتى اللحظة وأبرزها كما ذكرنا موضوع تركيا والأكراد والمنطقة الآمنة، حيث إن أردوغان يعلم أن إنشاء مثل هذه المنطقة يعدّ أمراً محفوفاً بالمخاطر والخوض في غمار هذا الموضوع قد يكلف الجانب التركي الكثير الكثير، ولكن أردوغان عالق بين فكي كماشة، وبين مجموعة خيارات أحلاها مرُّ، فمن جهة الجيش السوري يتقدّم نحو إدلب وهو يعلم أن تحرير هذه المدينة أصبح قاب قوسين أو ادنى، وأن الجماعات المسلحة التي يدعمها لن تستطيع إيقاف تقدّم الجيش السوري، خاصة أن حلفاء دمشق يقفون إلى جوارها في عملية تحرير إدلب، ومن جهة أمريكا لا تريد أن يقضي اردوغان على الأكراد لكونهم حليف واشنطن الرئيس في سوريا وورقتها الأخيرة، وأي مساس بهم سيعرّض العلاقة التركية الأمريكية لخطر محتوم، وقد قالها الرئيس الأمريكي دونالد صراحة في تصريحاته، عندما غرد على التويتر، قائلاً: "سندمّر تركيا اقتصادياً إذا هاجمت الأكراد".
من جهة أخرى لا يستطيع أردوغان مواجهة الجيش السوري بشكل مباشر، لأن هذا الأمر سيكلّفه الكثير من الضحايا وبالتالي سينعكس عليه مباشرة هذا الامر في الداخل التركي، خاصة وأنه لم يعد يملك نفس الشعبية التي كان يملكها قبل عدة سنوات وانتخابات اسطنبول خير دليل على ذلك، ومن جهة ثانية يشكّل اللاجئون ضغطاً كبيراً عليه، وفي حال حرّر الجيش السوري محافظة إدلب بالكامل سيكون أردوغان في ورطة حقيقة، في حال نزح عدد كبير من السوريين نحو الأراضي التركية، لذلك هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإعادة فتح الطريق أمام المهاجرين إلى أوروبا، إذا لم تحصل أنقرة على الدعم الكافي لخطتها لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا.
طبعا إضافة إلى ما سبق هناك نقاط خلاف بين الجانبين التركي والأمريكي، إذ يريد الرئيس التركي إنشاء منطقة بعمق يتراوح ما بين 30-40 كيلومتراً داخل شمال سوريا انطلاقاً من الحدود التركية، بينما ترى واشنطن أن إنشاء منطقة بعرض خمسة كيلومترات، خالية من أي مسلح كردي، ستكون كافية لتهدئة بواعث القلق التركي.
وتعهّدت واشنطن بسحب الأسلحة الثقيلة التي تمتلكها قوات سوريا الديمقراطية لمسافة أبعد، لكنها لم تحددها.
ولا يمكن أيضاً إهمال الشِق الاقتصادي في سوريا ونتائج الأزمة على هذا الاقتصاد، مع الموقع الاستراتيجي لسوريا كمحطة نقل للغاز، ووجود الآبار على بحرها.
ملف "الإرهاب" لا يزال يطلّ برأسه، وانتقال الفصائل الراديكالية، داعش على وجه الخصوص، إلى استراتيجية "الذئاب المنفردة" ستعيدنا بالذاكرة إلى سنوات ما بعد طرد القاعدة من الموصل والفلوجة، ثم إعلان داعش دولتهم.
ولكن وبالرغم من كل هذا صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لصحيفة "ترود" الروسية، قائلاً: إن الوضع في سوريا أخذ يعود إلى المسار السلمي، وبقيت هناك فقط بؤر توتر معينة.
وأضاف لافروف في المقابلة "لقد انتهت فعلاً الحرب في سوريا. وأخذت هذه الدولة تعود بشكل تدريجي إلى الحياة الطبيعية السلمية. لقد بقيت هناك بؤر توتر في الأراضي التي لا تسيطر عليها الحكومة السورية، على سبيل المثال في إدلب وشرق الفرات".
وتابع لافروف: "بشكل عام، تؤيد روسيا عودة سوريا كدولة ذات سيادة إقليمية كاملة، والتغلب بسرعة على عواقب الإرهاب المتفشي، وعودة جميع السوريين إلى وطنهم، والدولة نفسها إلى الأسرة العربية، وهو ما سيضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط".
وتعليقاً على ما قاله لافروف، أوضح السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين في حوار معه ببرنامج مع الحدث على قناة العالم ما قصده وزير الخارجية الروسي لافروف في تصريحاته حول نهاية الحرب في سوريا .
وقال السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين انه:" فيما يتعلق بالقضايا المطروحة الآن فقد ركّز لافروف على المزاج العام والأساسي المسيطر بعد أن تم تحرير أغلب الأراضي السورية وعودة الحياة لطبيعتها في الأراضي السورية بشكل تدريجي، ولا تزال فكرة القضاء النهائي على الإرهاب قائمة وإن الأولوية بالنسبة لنا هي العمل على ترميم الأوضاع في سوريا وتشجيع التسوية السياسية في البلاد على أساس أن الآلية الخاصة بهذه التسوية موجودة ويجب العمل على تفعيلها ".
وأشار ألكسندر زاسبكين أنه عندما تتحدث روسيا عن الأوضاع والأحداث في إدلب وشرق الفرات فهذا يعني أن المشكلات لا تزال موجودة في سوريا ولا يمكن تجاهلها ما يعني وجوب إيجاد الحلول لها وذلك يتطلب حديثاً أطول ومن الطبيعي أن يكون موضوع إدلب ضمن مسار أستانا والأيام القادمة ستظهر ما سيحدث بخصوص إدلب وتطورات وقف إطلاق النار فيها.