الوقت- لم تستطع تركيا أن تخفي وجهها الحقيقي فيما يخص الأزمة السورية، وعلى الرغم من أن الحكومة السورية كانت تعارض جميع الخطوات التي تقوم بها تركيا تجاه سوريا والسوريين، إلا أن هناك عدداً لا بأس به من السوريين في شمال وشمال غرب سوريا كان يلجؤون إلى تركيا لكي تساعدهم في إسقاط الحكومة السورية، وبعد أن عجزت تركيا وجميع الفصائل المسلحة التي تدعمها وجميع الدول الأخرى عن إسقاط الحكومة بدأت المشكلات الداخلية بين المعارضة المسلحة والأتراك تطفو على السطح.
إشارات هذه المشكلات والخلافات ظهرت في عدة مرات خلال سنوات الحرب السورية، ولكن جميعها كانت موجّهة من الشعب السوري ضد الجماعات الإرهابية المسلحة التي دمّرت جميع المناطق التي دخلت إليه، وهجّرت سكانها، وعذّبتهم، وقتلتهم حين كان يلزم الأمر لأغراض سياسية، وتحريض الرأي العام العالمي ضد الحكومة السورية، إلا أن الوضع الآن مختلف نوعاً ما، وينذر بطلاق علني بين الجماعات المسلحة في إدلب وريفها، وسكان هذه المناطق من جهة، وتركيا من جهة أخرى.
أولى معالم هذا الطلاق ظهرت يوم الجمعة الماضي عندما خرج المئات من الموالين لتركيا متّجهين نحو الحدود التركية للتعبير عن غضبهم من عجز تركيا عن إنقاذهم أمام تقدّم القوات السورية، محمّلين الأتراك سبب فشل الفصائل المسلحة في صدّ الهجوم، واعتبروا أن "أردوغان" تخلّى عنهم في أحلك الظروف.
المتظاهرون اتجهوا نحو معبري باب الهوى الحدودي وأطمة، ولم يستقبلهم الجيش التركي بالورود كما فعل في بداية الازمة، بل حاول منعهم من الاقتراب من حدود بلاده، من خلال إطلاق الرصاص الحي نحوهم، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، ما أدّى إلى اختناق 50 متظاهراً.
وأكد ناشطون أن الجندرما التركية أطلقت الرصاص الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين في معبر "باب الهوى"، قبل أن تلقي عليهم قنابل الغاز المسيلة للدموع التي تسببت بحالات اختناق أغلبها من الأطفال والنساء.
ومن جانبه نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تسجيلات مصوّرة أظهرت توجّه مئات المتظاهرين إلى ساحة معبر باب الهوى، ووثّقت إطلاق الغاز المسيل للدموع من قبل حرس الحدود التركي.
وأحرق المتظاهرون صور الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وحملوا لافتات نددوا فيها بالتخاذل التركي.
مظاهرات الحدود التركية تعدّ مشهداً غير مألوف من ناحية الاحتجاج على تركيا التي على ما يبدو أنها بدأت تخسر جزءاً من صورتها التي عملت على تكوينها خلال الفترة الماضية عبر سياسة تتريك ممنهجة اعتمدتها في الشمال السوري، وهو مشهد فيه الكثير من المعطيات الجديدة التي تشير إلى خطاب جديد للشارع مفاده أن كل الدول تبحث عن مصالحها، لم تقدّم تركيا أي خدمة للسوريين بالمجان وها هي تتنصل منهم وتحاول إعادتهم إلى بلادهم وتمنعهم من دخول أراضيها مع أنها أظهرت نفسها على أنها الحضن الدافئ لهم، ما الذي تغيّر؟.
الناشطون والمعارضون دعوا جميع السوريين الموالين لتركيا والفصائل في المهجر ودول اللجوء إلى حشد المظاهرات أمام السفارات والقنصليات التركية والروسية في مختلف أنحاء العالم.
وأضاف الناشطون أنه يجب إقامة الاعتصامات والإضرابات في الميادين العامة احتجاجاً على خذلان النظام التركي لمواليه في محافظة إدلب.
وقال محمد العموري (53 عاماً) الاب لسبعة أطفال من كفر زيتا بريف حماة الشمالي "رغم الوعود السابقة فان تركيا لم تفعل شيئاً على أرض الواقع".
وأضاف "هذا تحذير لتركيا أننا قادمون إليها وإلى أوروبا إن لم تفعل شيئاً".
وتابع "إذا استمرت هذه الأحوال، فسنتوجه إلى تركيا وباتجاه أوروبا لأن هؤلاء المدنيين لن يستطيعوا التحمّل أكتر مما تحملوا".
"من جانبه قال الناشط الاعلامي عمر الحسين، يتواصل الغضب الشعبي على تركيا هنا"، وتابع: إنّ "المظاهرة اليوم كانت ردّاً على صمت تركيا والعالم على ما يحدث في سوريا، وتحديداً في ريف إدلب وريف حماة، ثم إن تركيا لم تستطع حتى أن تدافع عن نفسها حين قصف النظام رتلاً عسكرياً لها كان يتجه إلى ريف إدلب، الأسبوع الماضي".
ويقول أحد النشطاء المحليين أن ما حدث الجمعة في معبر باب الهوى، قد يتكرر في الأيام المقبلة، ويذكر بأن دعوة سابقة كانت أطلقت في شهر تموز الماضي، لتنظيم "مليونية اقتحام الحدود السورية التركية" في محاولة للضغط على أنقرة سياسياً، قبل أن يتراجع المنظّمون عنها في الساعات الأخيرة، وتابع الناشط قائلاً "المدنيون متعبون أكثر الآن، ونحن على أبواب فصل الشتاء، أشجار الزيتون قد تحميهم من الشمس صيفاً لكنها لن تؤمّن لهم الدفء في الشتاء".
وتخشى أنقرة من تدفق جديد للاجئين السوريين إلى أراضيها في حال استمر تقدّم القوات السورية في إدلب.
المدينة مع ريفها يسكنها أكثر من 3 ملايين ونصف سوري، من مختلف المحافظات السورية، ما دفع وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إلى تحذير أوروبا، أكثر من مرة، من أن أنقرة لن تتحمل أعباء اللاجئين وحدها.
وترجم مراقبون تحرك المدنيين في مظاهرات حاشدة باتجاه الحدود السورية – التركية ودخول أراضي هذه الأخيرة، بأنه ناجم عن الشعور بانعدام الثقة بدور نقاط المراقبة التركية.
ومن الواضح أنّ الأهالي يريدون إيصال رسالة إلى تركيا بتحميلها المسؤولية الأخلاقية والسياسية إزاء ما يجري من انتهاك بحق أمنهم ووجودهم.