الوقت- بعد انتصار الحركة الثورية للشعب السوداني على النظام الحاكم، يعيش السودان حالياً في مرحلة حساسة وحاسمة ولقد بذل الثوار بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق "عمر البشير" من السلطة، الكثير من الجهود لتحقيق مطالبهم وتطلعاتهم، إلا أنهم واجهوا الكثير من التحديات الكبيرة، بما في ذلك مقاومة الجيش وموالي النظام السابق، فضلاً عن التدخلات الأجنبية.
أين تكمن الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي وحركة المعارضة السودانية
انطلقت يوم السبت 27 أبريل الماضي المفاوضات والاجتماعات الرسمية بين ممثلين عن حركة المعارضة السودانية (قوى الحرية والتغيير) مع المجلس العسكري الانتقالي في السودان، للتشاور حول مدة الفترة الانتقالية، وحصص الأحزاب من المقاعد الوزارية، وتشكيل مجلس انتقالي وإعادة صياغة الدستور السوداني.
وبعد انتهاء ذلك الاجتماع، أكد المجتمعون على طبيعة وتركيبة المجلس السيادي، كما استعرض كل من ممثلي المعارضة والعسكريين رؤاهم المختلفة حول مهام هذا المجلس.
وأشار المجتمعون إلى أنهم سيجرون اجتماعات قادمة وسيعلنون أهم ما تم التوصل إليه تباعاً بمجرد انتهاء الجلسة، وحول هذا السياق أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الجولة الأخيرة من المفاوضات عقدت يوم الأحد 19 مايو الماضي بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي بالسودان، وانتهت دون التوصل لاتفاق بشأن المجلس السيادي، بينما يواصل المحتجون اعتصامهم أمام مقرّ قيادة الجيش.
ولفتت تلك المصادر إلى أن حركة المعارضة (قوى الحرية والتغيير) سبق أن قالت إن جولة المفاوضات ستبحث مقترحاً تقدّمت به لتجاوز الأزمة، ينصّ على أن تكون رئاسة المجلس دورية بين المدنيين والعسكريين.
كما جددت حركة المعارضة تأكيدها أن تكون الغلبة في المجلس السيادي للمدنيين، وذلك بعدما اتفقت مع المجلس العسكري في جولات التفاوض الماضية على أغلب الجوانب المتعلقة بالسلطات ومجالس الحكم خلال الفترة الانتقالية التي يفترض أن تستمر ثلاث سنوات.
وأكدت تلك المصادر على تعذّر التوصل إلى اتفاق نهائي بين الجانبين في جولة التفاوض التي جرت مساء الأحد، بعدما تمسّك كل طرف بموقفه المطالب بالأغلبية في المجلس السيادي بالإضافة إلى رئاسة المجلس.

يذكر أن المفاوضات تم استئنافها بين الطرفين ليلة الأحد وتواصلت حتى فجر الاثنين، إلا أن الطرفين لم يصلا إلى اتفاق نهائي، وقرّرا مواصلة المباحثات مساء الاثنين.
وحول هذا السياق، أوضح "ساطع الحاج" عضو وفد تحالف قوى الحرية والتغيير أن الاجتماع المطوّل الذي انفضّ صباح يوم الاثنين تخلله عصف ذهني من الأطراف وقال نحن كقوى حرية وتغيير تمسّكنا بأن يكون رئيس مجلس السيادة مدني وأغلبية الأعضاء من المدنيين.
وأضاف "برّرنا ذلك لأن المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي لن يقبل التعامل مع حكومة عسكرية إضافة للمزاج الشعبي الذي يرغب في حكومة مدنية".
ولفت "الحاج" إلى أن المجلس العسكري تمسّك بأن يكون رئيس المجلس السيادي من العسكريين، وبأغلبية أيضاً من العسكريين، وبرروا ذلك بالتهديدات الأمنية التي تواجه البلاد.
وكان المتحدث باسم المجلس العسكري "شمس الدين كباشي" أشار في مؤتمر صحافي فجر يوم الاثنين الماضي بالقصر الجمهوري إلى مواصلة المحادثات آملين الوصول إلى اتفاق نهائي، مشيراً إلى أنه تمّت مناقشة هيكلية السلطة السيادية.
ثورة مضادة وإدارة التطورات والمستجدات
يجب أن تشارك خمسة أطراف وممثلين سودانيين لرسم خارطة الطريق لعقد مفاوضات لحل الأزمة السودانية، وتتمثل تلك الأطراف في الشارع السوداني، وقيادة حركة الاحتجاجات، والأحزاب التقليدية، والمجلس العسكري، والجهات الفاعلة الإقليمية الداعمة. يذكر أنه بعد فترة وجيزة من قيام الجيش السوداني بانقلاب عسكري على الرئيس "عمر البشر"، والذي جاء تماشياً مع مطالب حركة الاحتجاج الشعبية ضد الديكتاتورية والتمييز العنصري، تبيّن أن هذا الانقلاب ما هو إلا سيناريو قامت به بعض الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية للحفاظ على الهيكل السياسي الحاكم بأقل تغيير من خلال إدارة الأزمات الحرجة وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً، إن إطالة عملية التفاوض ستمنح جنرالات المجلس العسكري مزيداً من الوقت لفرز الوضع الداخلي وتقييمه، وكذلك إجراء محادثات منفصلة مع مختلف أحزاب المعارضة، بما في ذلك حركة التحرير السودانية، المعروفة باسم "ميني ميناوي"، وحركة العدالة والمساواة التي يقودها "جبريل إبراهيم" والتحالف الوطني الديمقراطي الذي يضم 13 حزباً.
ثانياً، إن إطالة عملية التفاوض ستمنح جنرالات المجلس العسكري مزيداً من الوقت لإنشاء مركز أبحاث خاص بهم لوضع استراتيجية لإدارة الأزمات.
ثالثًا، إن إطالة عملية التفاوض ستعطي المجلس العسكري فرصة لقمع حركة التغيير، كما حدث في الماضي مع أبناء الشعب السوداني عندما وصل "عمر البشير" إلى السلطة عام 1989 عن طريق انقلاب الجيش ضد حكومة" صادق المهدي"، رئيس الوزراء في ذلك الوقت.

إن معظم كبار الجنرالات السودانيين الذين يمسكون الآن بزمام الأمور في السودان، كانوا مقربين من الرئيس السابق "عمر البشير" وكانوا يحصلون على رواتب وامتيازات كبيرة في ذلك الوقت. بطبيعة الحال، ومع الانتقال السريع للسلطة إلى المعارضة، وتشكيل حكومة مدنية، سيكون من الممكن قطع هذه الامتيازات والمطالبة بمحاكمة كل مسؤولي وجنرالات النظام السابق.
وحول هذا السياق، قال النائب العام السوداني يوم الثلاثاء الماضي إن اللواء "صلاح عبد الله غاش"، رئيس جهاز المخابرات السابق، تم استجوابه بتهمة إساءة استخدام المنصب ونهب الأموال العامة.
يذكر أن المتظاهرين كانوا قد وجّهوا العديد من الاتهامات لـ"غوش" تتعلق بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين أثناء الاحتجاجات.
وفي سياق متصل، أعربت العديد من المصادر الإخبارية بأن الدول الخليجية بذلت الكثير من الجهود للدخول على خط الأزمة، وتقديم مساعدات مالية تبيّن فيما بعد أنها لأغراض سياسية ولذلك وجدنا أن المحتجين يعترضون على هذه الأموال، ويرون أنها فقط لشراء الذمم وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه، حيث تعهّدت كل من الإمارات والسعودية الشهر الماضي بتقديم مساعدات قيمتها ثلاثة مليارات دولار، ويرى الخبراء الاقتصاديون أن هذا المبلغ لن يتيح سوى متنفساً قصير الأمد.
