الوقت- قليلة هي التغييرات السياسية التي توصف بالتغيير الكامل او التغيير 180 درجة في المواقف السياسية لدول العالم لكن اطلاق هذه الصفة بات مناسبا على التغيير الذي طرأ على سياسة الحكومة اليونانية اليسارية تجاه الكيان الاسرائيلي بعدما كان اليساريون اليونانيون يعتبرون من المناوئين لهذا الكيان ولذلك ينبغي الوقوف عند اسباب هذه الاستدارة.
كان رئيس الوزراء اليوناني اليساري الكسيس سيبراس الذي استلم الحكم قبل عام من اليمينيين، الذين كانوا يعتبرون من حلفاء الكيان الاسرائيلي خلال 5 اعوام من الحكم، من اعداء الكيان الاسرائيلي حيث وصفت صحيفة يديعوت احرنوت الاسرائيلية مجيئه الى الحكم بمثابة انتهاء شهر العسل بين أثينا وتل ابيب، وكان سيبراس وحزبه قد اصدروا بيانا شديد اللهجة ضد زيارة نتنياهو الى اثينا في عام 2010 وقالوا في ذلك البيان ان حكومة باباندرئو تستقبل نتنياهو في حين لم تجف دماء نشطاء اسطول سفن الحرية التي اريقت على يد نظام تل أبيب، وكان سيبراس بنفسه موجودا على متن سفن الحرية التي كانت تتجه نحو قطاع غزة وقتل الاسرائيليون 9 من افراد طاقم هذه السفن من الاتراك.
كما كان سيبراس البالغ من العمر 40 عاما قد اعلن ايضا انه وفي حال فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية سيقوم بالغاء التعاون العسكري بين اليونان والكيان الاسرائيلي كما انه قد اكد دعمه للفلسطينيين مباشرة بعد تسجيل الانتصار في الانتخابات.
لماذا تمت الاستدارة نحو الکيان الاسرائيلي؟
تغيرت المواقف المناوئة للکيان الاسرائيلي والتي كان يتخذها سيبراس بعد فترة قصيرة من مجيئه الى الحكم وبات التغيير 180 درجة وقد اجرت اليونان وامريكا والكيان الاسرائيلي مناورات عسكرية مشتركة قيل انها للتصدي لهجوم ايراني على الموانئ الاسرائيلية كما سافر وزيرا الخارجية والدفاع اليونانيان الى الاراضي المحتلة بالتزامن مع الاستفتاء الذي جرى الشهر الماضي في اليونان حول قضية الديون الاوروبية.
ويمكن القول ان اسباب هذا التغيير في سياسة سيبراس وحزبه تكمن في الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليونان والتي تؤثر على كل السياسات الداخلية والخارجية للحكومة اليونانية وقد اراد سيبراس إحداث تغيير في السياسة الخارجية لبلاده من اجل البحث عن حل لأزمتها المالية فاليونانيون باتوا يعرفون ان تحسين العلاقات مع الكيان الاسرائيلي يقنع اصحاب الرساميل اليهودية الكبيرة في اوروبا وامريكا لتخصيص قسم من رساميلهم لليونان التي هي بأمس الحاجة الى الاستثمار الخارجي لالتقاط انفاسها.
وتعتبر الحكومة اليونانية ان تعزيز العلاقات مع الكيان الاسرائيلي وامريكا والاتحاد الاوروبي سيقلل من ضغط الاوروبيين على اليونان لاتخاذ سياسات اقتصادية تقشفية.
ومن جهة اخرى هناك الخلافات التاريخية بين اليونان وتركيا والتي تدفع اليونان نحو البحث عن حلفاء لايجاد توازن استراتيجي امام تركيا وقد عمدت اليونان الى التحالف مع قبرص والكيان الاسرائيلي.
أهمية اليونان الاستراتيجية بالنسبة للكيان الاسرائيلي
يستغل الكيان الاسرائيلي الأزمة المالية التي تعاني منها اليونان لتحقيق مكاسب امنية وسياسية واقتصادية وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى ما يلي:
- كان الكيان الاسرائيلي يسعى دوما الى ايجاد حليف استراتيجي له قرب الحدود الايرانية وقد كانت تركيا تلعب هذا الدور قبل الهجوم الاسرائيلي على اسطول سفن الحرية المتجهة الى غزة ولم تكن اليونان ذات اهمية في هذا المجال بالنسبة للاسرائيليين لكن اليونان باتت الان تلعب دور تركيا بالنسبة للکيان الاسرائيلي بعد الغاء المناورات العسكرية السنوية التي كانت تركيا تجريها مع الكيان الاسرائيلي.
- ان النظرة الاسرائيلية الى اليونان ليست نظرة عسكرية وامنية بحتة بل ان المصالح الاقتصادية ايضا تدخل في هذا المجال فقد تم اكتشاف حقل تمار الغازي في البحر الابيض المتوسط في عام 2009 والذي سيحول الكيان الاسرائيلي الى مصدر للغاز حتى عام 2020 حيث يريد هذا الكيان الاستفادة من قبرص واليونان لتصدير الغاز الى اوروبا عبر خط انابيب سيتم بناؤها.
وفيما تعتبر المكاسب التي يحققها الكيان الاسرائيلي من تعزيز علاقته مع اليونان اكبر من المكاسب التي تحققها اليونان يؤكد المحللون ان نظرة اليونان نحو ايران هي غير منطبقة مع نظرة الكيان الاسرائيلي، وقد قال وزير الدفاع اليوناني في لقائه مع وزير الحرب الاسرائيلي "ان اليونان تقع تحت مرمى الصواريخ الايرانية وان ذهاب اي صاروخ ايراني نحو البحر الابيض المتوسط سينهي الأمن في المنطقة" لكن المراقبين يعتبرون ان هذا الكلام يهدف فقط الى الاستفادة الاقتصادية من الكيان الاسرائيلي من اجل انهاء الازمة الاقتصادية في اليونان، وإذا استطاع اليونانيون التغلب على أزمتهم الاقتصادية فإن مواقفهم تجاه الكيان الاسرائيلي ستتغير ولن تعود أثينا تشارك في المغامرات الاسرائيلية ضد ايران لأن مصلحتها ليست في ذلك.