الوقت- طالب المئات من أعضاء الكونغرس الأمريكي يوم الاثنين الماضي، الرئيس "دونالد ترامب" بالتدخل لإيجاد حلّ للصراع في سوريا، وذلك حرصاً على حماية مصالح بلادهم وحلفائها هناك.
جاء ذلك في خطاب وقّعه نحو 400 عضو في مجلس النواب والشيوخ البالغ عددهم 535، دعوا فيه إلى ضرورة استمرار دور أمريكا في سوريا، قائلين إنهم قلقون للغاية من الجماعات المتطرفة التي تنتشر في العديد من المناطق السورية، وحثّ النواب والأعضاء الموقّعون، الرئيس "ترامب" على قيادة جهود وقف التهديدات الأمنية ضد مصالح أمريكا وحلفائها في سوريا، وعلى تكثيف الضغط على إيران وروسيا وحزب الله اللبناني.
الأزمة السورية تشعل فتيل الخلافات داخل البيت الأبيض
أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن هناك خلافات جوهرية بين أعضاء الحكومة الأمريكية حول مصالح ومواقف إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تجاه القضية السورية، ففي ديسمبر من العام الماضي أعلن الرئيس "ترامب" عن قرار سحب القوات الأمريكية بالكامل من الأراضي السورية بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، هذا القرار اعتبر مفاجأة صادمة لجميع الأطراف، إلا أنه عدل عن قراره هذا تدريجياً، ليستقرّ الأمر بعد ذلك على الانسحاب التدريجي وفق جدول زمني طويل نسبياً مع الإبقاء فعلياً على بعض القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، ولقد أدّت هذه القرارات التي أعلن عنها الرئيس "ترامب" إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" والمبعوث الخاص للعمليات الخاصة، "بريت ماكغفرن".
ومن الجدير بالذكر أن عدد القوات الأمريكية في سوريا يبلغ 2000 جندي، وتدعم أمريكا ما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية" التي سيطرت على مناطق واسعة في القسم الشرقي من سوريا بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي.
وبالنظر إلى هذا كله، فإن حلفاء أمريكا في المنطقة، وخاصة الكيان الصهيوني، يتساءلون كيف ستتمكن حكومة "ترامب" من تأمين مصالحهم في المنطقة، وطرد القوات الإيرانية والمقاومة من سوريا لتوفير الأمن لـ "تل أبيب"، ومواجهة توسّع نفوذ روسيا في المنطقة، وحماية الحلفاء الأكراد من تهديدات تركيا.
العمليات العسكرية في إدلب والقلق الغربي
ذكرت الأمم المتحدة أن التصعيد العسكري الأخير شمال شرق سوريا تسبّب في نزوح نحو 180 ألف شخص، حيث أعلنت منظمات إغاثية دولية تابعة للأمم المتحدة تعليق عملها في المنطقة إلى أجل غير مسمى بسبب التصعيد، ما أثار قلق المجتمع الدولي من أزمة إنسانية في إدلب.
واعتبر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "مارك لوكوك" يوم الجمعة الماضي، أن أكبر كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين تتكشف الآن أمام العالم في إدلب شمال غربي سوريا.
من جهته أعرب السفير الروسي أن بلاده لديها تقييمها الخاص بشأن ما يحصل حالياً في مدينة إدلب، وحذّر قائلاً: "من المهم الآن منع التصعيد الحالي في منطقة الخليج الفارسي، لأنه من دون ذلك ستنزلق المنطقة نحو الفوضى".
وتوجّه السفير الروسي في خطابه إلى أعضاء مجلس الأمن قائلاً: "لماذا هذه الازدواجية في المعايير.. لماذا لم تطلبوا عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن قبل عامين بشأن الوضع في الرقة".
وتابع: "لقد قتلت قوات التحالف بقيادة واشنطن أكثر من 15 ألف شخص، وقامت بتهديم أكثر من 11 ألف مبنى، أرجو منكم قراءة تقرير نشرته منظمة العفو الدولية عن الغارات الجوية والقصف الذي شنّه التحالف على الرقة".
وتابع: "نحن نرفض اتهامنا أو اتهام الجيش السوري بانتهاك القانون الدولي في إدلب، وندعو الأمين العام للأمم المتحدة وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة إلى عدم التعجّل بإصدار أرقام حول الضحايا قبل تدقيقها".
وأضاف: "نحن نشعر أنكم تريدون حماية الإرهابيين في إدلب لغرض ما.. لن نفعل ذلك، نحن نكافح الإرهاب، واتفاقات خفض التصعيد لم تنص على حماية الإرهابيين الذي اختطفوا المدنيين هناك".
التعاون بين إيران وروسيا
وفي جزء آخر من ذلك الخطاب، أشار أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى التهديدات الإيرانية والروسية على مصالح أمريكا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، يمكن القول بأن قلق أعضاء الكونغرس، ينبع من تأثير اللوبي الصهيوني وضغوط "تل أبيب" عليهم، بسبب استمرار وجود إيران وتأثيرها المتزايد في سوريا، ومنذ وصول الرئيس "ترامب" إلى البيت الأبيض سعى القادة الصهاينة إلى تعزيز العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، وبذل الكثير من الجهود لإشراك أمريكا في التطوّرات في سوريا، وإرغامها على مواجهة قوات المقاومة، لكن تلك الجهود لم تثمر حتى الآن، ولم تحقق أي تقدّم ملحوظ.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس "ترامب" يأمل في وقتنا الحالي بالوصول إلى اتفاق مع موسكو من أجل إنهاء قضية وجود المستشارين الإيرانيين ومشاركة جماعات المقاومة في سوريا وذلك من أجل الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني.
ومن جهة أخرى وللحفاظ على مصالحها الخاصة، وتحالفها المستمر مع إيران، صرّحت موسكو مراراً وتكراراً أن وجود القوات الإيرانية كان مشروعاً، وبدعوة رسمية من الحكومة السورية.
بالنظر إلى جميع تلك التطورات الميدانية يمكن القول هنا، إن معظم أعضاء الكونغرس الأمريكي وحتى جزء لا بأس به من وزراء الحكومة الأمريكية قد فقدوا ثقتهم في الاستراتيجية العسكرية للرئيس "ترامب" في سوريا، ولهذا طالبوا بمزيد من التدخل العسكري للقضاء على خطر تحالف موسكو وطهران في سوريا، وهذه القضية قد تزيد من ناحية خطر المواجهة العسكرية مع هذه القوات، ومن ناحية أخرى، قد تزيد الفجوة بين واشنطن وأنقرة، وهذا يعني، حسب تصريحات "ترامب"، الخروج من حفرة والسقوط في أخرى.