الوقت- تتجدّد ذكرى المأساة العربية في النكبة الفلسطينية يوم 15 أيار 1948، قبل واحد وسبعين عاماً من ذلك اليوم أعلنت العصابات الصهيونية قيام الدولة العنصرية التي مارست شتّى أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
مرّت الذكرى هذا العام في ظلّ بروز جملة من المتغيرات التي طالت القضية رغم وجود الكثير من الثوابت التي لم تتغير منذ 71 عاماً.
المتغيّر
إذن، هناك الكثير من المتغيرات التي طالت القضيّة في العقود السبعة الماضية، دولياً وعربياً وفلسطينياً، نذكر منها:
أولاً: خرجت الأنظمة العربية في حمايتها للكيان الصهيوني من السرّ إلى العلن.
اليوم، باتت هناك الكثير من الأصوات التي تنادي جهاراً نهاراً بتصفية القضية الفلسطينية غير آبهة بمشاعر الشعوب العربية والإسلاميّة فضلاً عن الشعب الفلسطيني، في الحقيقة، لم يكن قيام دولة "إسرائيل" في فلسطين عام 1948 ليتحقق لولا تخاذل بعض الحكام الذين كانوا مدعومين بريطانيّاً، فرغم أن معارضة الجماهير العربية في المنطقة المحيطة مباشرة بفلسطين كانت لا تقلّ عن معارضة الفلسطينيين أنفسهم لإقامة دولة يهودية في فلسطين العربية، إلا أن الحكومات المدعومة بريطانياً قامت بدور الحارس الأمين للصهاينة في السر، وإن كانوا يُظهرون العكس في العلن. هناك الكثير من حكام الأنظمة قد وقفوا ينظرون بينما كان الفلسطينيون يتعرضون للذبح والتهجير من ديارهم.
إذن رغم أن دعم بعض الأنظمة للكيان الإسرائيلي هو من الثوابت، لكنّ خروجه إلى العلن هو من المتغيرات.
ثانياً: عندما بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 – 1939 تلوح في الأفق، سارعت الحكومة البريطانية إلى مناشدة الملك "عبد العزيز آل سعود" وغيره من ملوك العرب للتدخل في تهدئة الفلسطينيين، مقابل الوعد بعدم تناسي حقوقهم، فوجَّه الملك عبد العزيز آل سعود رسالة إلى "اللجنة العربية العليا"، أخبرهم فيها أن يبعثوا نداءً إلى الفلسطينيين لوقف الإضراب وإنهاء الثورة، وأنها على استعداد للنظر في مقترحاتهم بما يصبّ في مصلحة العرب بالشكل اللائق، هذا ما فعله أيضاً ملك العراق غازي، والإمام يحيى في اليمن، لتقبل اللجنة العربية العليا تلك الوساطة، وتصدر بياناً تدعو فيه إلى إنهاء الإضراب ووقف الثورة، ويُحسب لرئيس الوزراء المصري "مصطفى النحاس"، أنه رفض التوقيع على النداء، وقال : "سأُكتب في سجّل العار لو وقّعت على ذلك النداء".
ثالثاً: محاولة تصفية القضية بشكل تام عبر صفقة القرن، إن إحدى المتغيرات التي نشهدها اليوم تتمثل في المحاولة الأكبر لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن التي يعدّها اليهودي كوشنير بالتعاون مع بعض الحاكم العرب.
اللافت أن واشنطن اليوم، الراعي الرسمي للكيان الإسرائيلي، تناشد أحفاد الملك السعودي، أي الأمير محمد بن سلمان، لإتمام صفقة القرن، كما ناشد أسلاف ترامب أجداد ابن سلمان لإنقاذ الكيان الصهيوني.
رابعاً: هناك متغيّرات أخرى في مصلحة الشعب الفلسطيني، أبرزها إظهار الجرائم الصهيونيّة للعالم، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع حجم المقاطعة العالمية للبضائع الإسرائيلية.
نجح الكيان الإسرائيلي طوال العقود الماضية في تقديم نفسه على هيئة المظلوم، لكن الجرائم التي ارتكبها والجهود التي بُذلت لإظهار هذه الجرائم رغم الآلة الإعلامية الضخمة التي تنشر العكس قد أفضت إلى واقع عالمي يكره الصهاينة، وفق الكثير من الدراسات الأوروبية والأمريكية.
خامسا: من الأمور الأخرى هي معادلة الردع للمقاومة الفلسطينية. إن المقاومة الفلسطينية اليوم هي أقوى من أي وقت مضى منذ العام 1948. في السابق، لم تمتلك هذه القوات سوى الأسلحة الفرديّة، لكنّها اليوم هي من ترسم معادلات الردع، وبالتالي قادرة على حماية الشعب الفلسطيني وتكبيد الكيان الإسرائيلي خسائر كبرى تجبره على وقف الحرب تحت وطأة النيران التي تطول تل أبيب.
الثابت
رغم المتغيّرات الآنفة الذكر، إلا أن هناك الكثير من الثوابت التي لا تزال قائمة منذ الذكرى الأولى للنكبة عام 1948، نذكر منها:
أوّلاً: إحياء الأجيال لهذه الذكرى، لم تمر هذه الذكرى طوال العقود الماضية مرور الكرام على أبناء الشعب الفلسطيني، ولاسيّما الأجيال الشابة التي ورثت مفاتيح بيوتها عن الآباء والأجداد، لا تقتصر مراسم إحياء ذكرى النكبة على أبناء الشعب في فلسطين المحتلة وقطاع غزة، بل تتعدّاها إلى أماكن التواجد الفلسطينية في الأقطار العربية وأوروبا.
ثانياً: من الثوابت الأخرى هي المطالبة بحقّ العودة، ورفض أي مؤامرة عربيةً كانت أم غربية.
جدّد الفلسطينيون في ذكرى النكبة التي يُقدّمون فيها الشهداء والجرحى في كل عام، عزمهم على العودة للديار الفلسطينية، سواء فلسطينيو عام 1948، أو الموجودون في الشتات العربي، أو حتى أولئك الموجودين في أوروبا.
ثالثاً: لا تزال السعودية من أبرز الدول المعادية لمحور المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، قد يعتقد البعض أن معاداة السعودية لمحور المقاومة (وإن اختلف الاسم في السابق إلا أنه وليد الأمس)، فعلى سبيل المثال أرسل الملك "فيصل بن عبد العزيز" رسالة إلى الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" في 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386 يقول فيها "من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس، ومما عرضناه بإيجاز يتبيّن لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً، وأن هذا العدو إن تُرك يحرّض ويدعم الأعداء عسكرياً وإعلامياً، فلن يأتي عام 1970 – كما قال الخبير في إدارتكم السيّد كيرميت روزفلت – وعرشنا ومصالحنا في الوجود، لذلك فإنني أبارك، ما سبق للخبراء الأمريكيين - في مملكتنا - أن اقترحوه، لأتقدّم بالاقتراحات التالية... وعدد الاقتراحات، ومنها ضرب مصر وإسقاط الرئيس "جمال عبد الناصر" شخصياً مع كل نظامه.