الوقت- تحاول السعودية جاهدة خلال السنوات القليلة الماضية وخاصة بعد انتهاء حقبة داعش التقرب أكثر وأكثر من بغداد، وتجسّد ذلك بعد الزيارة الرسمية التي أجراها وزير الخارجية السابق ووزير الشؤون الخارجية الحالي عادل الجبير إلى العراق قبل سنتين.
وكما بات معروفاً لا يوجد شيء مستحيل في العلاقات الدولية، فلا توجد صداقات دائمة، ولا توجد عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة، ومن هذا المنطلق افتتحت الرياض نهار الخميس الماضي مبنى قنصليتها في العاصمة العراقية بغداد والبدء في إصدار تأشيرات للعراقيين، كما منحت العراق مليار دولار لتنفيذ مشاريع تنموية، وبحسب وزارة الخارجية العراقية فإن افتتاح القنصلية السعودية أتى على هامش زيارة وفد سعودي كبير لبغداد يترأسه وزير التجارة ماجد القصبي، ويضم أكثر من 100 شخصية رفيعة المستوى، بينها وزراء ووكلاء وزارات ورجال أعمال، للمشاركة في أعمال الدورة الثانية للمجلس التنسيقي العراقي-السعودي.
وتعدّ واحدة من أهم الأهداف التي تسعى الرياض من خلال توسيع علاقاتها مع بغداد إلى الحد من النفوذ الإيراني في العراق والتأثير على علاقات بغداد بطهران بهدف كسر محور المقاومة الذي يعدّ العراق عنصراً رئيسياً داخله، وعلى هذا الأساس يطرح التساؤل التالي: هل من الممكن أن تشهد العلاقات السعودية-العراقية تطوراً ملحوظاً وما هي الحواجز التي تمنع ذلك؟
الوضع الاقتصادي العراقي
في الواقع، إن أهم نقطة أكد عليها السعوديون في استراتيجيتهم الجديدة في العراق، هي الاستفادة من التحديات الاقتصادية الرئيسية الكبيرة التي تواجهها بغداد بعد سنوات من الحرب وعدم الاستقرار من أجل تمويل إعادة إعمار المناطق المدمرة وحل مشكلات معيشة الناس اليومية.
وكما نعلم أن العراق يمتلك موارد طاقة كبيرة لم تستغل بعد صناعياً واقتصادياً، إلا أنه خلال السنوات الماضية وجراء الحرب تعرضت البنى التحتية إلى دمار كبير لا يمكن وصفه وتصوره وتشير التقديرات إلى أن بغداد تحتاج إلى 100 مليار دولار أمريكي من أجل إعادة بناء ما تدمّر.
كما أن الميزانية الرسمية للحكومة العراقية بلغت 88 مليار دولار أمريكي خلال عام 2018، إضافة إلى انتشار الفساد الإداري، ما دفع بالمسؤولين العراقيين إلى التوجه نحو الدعم الدولي، وفي هذا السياق أعلن عادل الجبير خلال اجتماع الدول الخليجية في الكويت العام الماضي عن أن السعودية ستدعم العراق بمبلغ مليار و500 مليون دولار أمريكي من أجل إعادة الإعمار. وبالتالي إن العراق يحتاج إلى أموال دول مجلس التعاون الخليجي بسبب مواردها المالية الهائلة.
المجتمع العراقي العشائري
إن أحد الركائز الأخرى للنفوذ السعودي في العراق هو البناء الاجتماعي والسياسي للمجتمع العراقي، القائم على التنوع العرقي -الديني، بحيث يكون لهذا الهيكل الاجتماعي غير المتجانس وغير المتوازن انعكاساته الخاصة على بنيته السياسية الفيدرالية، وتعدّ المناطق السنية في العراق مهمة جداً بالنسبة للرياض خاصة في المحافظات الكبرى مثل صلاح الدين ونينوى والأنبار وديالى، حيث تقوم السعودية داخلها بالترويج لإيديولوجية الوهابية والتكفيرية والطائفية من أجل خلق جو فتنوي بين أبناء الشعب العراقي وإبقاء العراق على حاله دولة فاشلة.
القومية العراقية والعلمانية
وهنا تحاول الرياض عبر دعم الخطاب العلماني والقومية العربية الذي زاد في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ في العراق في سبيل إبعاد العراق عن محور المقاومة عبر مواصلة دعم هذه الخطابات التي ستلعب بنظرهم دوراً مهماً في مستقبل العراق.
نفوذ خطير أو توسيع للعلاقات؟
وإلى جانب محاولات السعودية للنفوذ في العراق، فإن هناك عوائق قوية تمنع الرياض من النجاح في ذلك. التحدي الأول هو وعي الرأي العام العراقي بأهداف وخطط الرياض الرئيسية فيما يتعلق بالدعم المالي ومحاولاتها توثيق العلاقات مع بلادهم، وهم يرون أن هدف السعودية هو السعي لتقويض مكانة العراق الإقليمية والدولية عوضاً عن تعزيز تعاونها لبناء القوة الوطنية والاستقرار الإقليمي فيه وهذا ما شهدناه في السنوات الماضية عبر دعمها للإرهابيين وترويجها للطائفية ودعم الحركات الانفصالية في العراق.
كما أن الشعب العراقي يعي تماماً أن نية الرياض الحقيقية هي ضرب المصالح الاستراتيجية بين طهران وبغداد تماشياً مع السياسة الإقليمية لأمريكا، كما أنه يعي أيضاً ما قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دعم حقيقي من أجل القضاء على مشكلة كبيرة وهي داعش، ورفضها للانفصاليين.
عدم التسامح التاريخي مع العراق
يمكن الإشارة هنا إلى أن السعودية تحاول عبر علاقاتها الخارجية التحكم بشؤون الدول العربية المجاورة وبسط رؤيتها عليها وهذا ما شهدناه خلال السنوات الماضية عبر تدخلها في شؤون دولة البحرين وقيامها باحتجاز رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وإجباره على تقديم الاستقالة ومحاصرة قطر وشنها حرباً على اليمن... وهذا ما لا يمكن أن يقبله العراق الذي كان ولا يزال يلعب دوراً مهماً على الساحة العربية.
وإن عدنا بالتاريخ إلى الوراء نرى أنه كان للعراق حضارة قديمة ومكانة مهمة في العالم الإسلامي.
وفي أيامنا هذه نرى أيضاً أن هناك تحدياً بين القومية العراقية قوميات دول عربية أخرى مثل سوريا ومصر وغيرها، وبالتالي إن العراق لا يمكن أن يقبل أن يكون عليه وصاية سعودية وهو لا يريد من أي دولة أن تتدخل في شؤونه الداخلية ولا يريد أن يتكرر سيناريو ثامر السبهان السفير السعودي السابق في العراق الذي هاجم الحكومة العراقية وقوات الحشد الشعبي وحاول إثارة الفتن ما دفع بالحكومة العراقية إلى طلب تغييره فقامت الرياض بسحبه وعدم تعيين سفير جديد مكانه.
الخطاب المقاوم والمرجعية الشيعية
إن من أهم العقبات التي تحول دون توسيع النفوذ السعودي في العراق، هو عمق تأثير الخطاب المقاوم النابع من مدرسة أهل البيت(ع)، وخاصة النابع من ثقافة عاشوراء، وقد برز ذلك في الانتخابات البرلمانية العراقية الرابعة في مايو 2018، حيث تمكّنت الأحزاب والجماعات القريبة من المقاومة من الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية.
كما أن العلاقات التاريخية بين العراق والجمهورية الإسلامية مملوءة بعناصر تاريخية وثقافية غير قابلة للكسر، وفي هذا السياق لعبت المرجعية الشيعية في هذه البلاد دوراً مهماً في محاربة سياسة مواءمة عائلة آل سعود مع السياسات الانقسامية لأمريكا والكيان الإسرائيلي في الأراضي الإسلامية.