الوقت- كما في كل عصرٍ تعتبر فيه مصادر القوة متعلقة بميادين وأدوات الحياة، فإن التكنولوجيا اليوم أصبحت أساساً في أي حربٍ مقبلة. فالحرب العالمية الثالثة والتي يبدو أنها ستكون نوعيةً بالأساليب، لا بد وأن تدخل فيها عوامل جديدة وبالتحديد التقنيات السيبرنيتيكية. فاليوم يعيش العالم صراعاتٍ عديدة لا يمكن القول إنها حربٌ باردة، لكنها لم ترتق لمستوى الحرب النارية. بينما في مكوناتها نجد العديد من التقنيات التي تُعتبر مؤثرةً أكثر من الناحية العملية، والتي قد تكون نتائجها كارثية. ولأن الجو والبر والبحر كانوا فقط ساحة الحرب، أصبح المجال الإلكتروني اليوم مجالاً جديداً يُضاف الى الساحات الإعتيادية. فكيف يمكن تصوير هذه الساحة الجديدة؟ وماذا في استخدامها حاضراً؟ وماذا في المستقبل؟
تمهيد للفكرة:
أصبحت الحرب الإلكترونية أو ما يسمى بالفضاء الإلكتروني، ساحةً للتسابق والتطوير بين القوى الكبرى. فنتيجةً لتطور التقنيات المعلوماتية في السنوات الماضية، أصبح استخدام التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والإنترنت للأغراض الحربية أمراً واضح المعالم في العمليات الإفتراضية. ومنذ تشرين الأول عام 2010 بدأ سريان مفعول الإستراتيجية الجديدة التي وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية للحرب الإلكترونية (أو السيبرنيتيكية). ومنذ ذلك الوقت اعتبرت واشنطن المجال الإلكتروني ميداناً قتالياً كالميادين الأخرى (أي البر والبحر والجو) ليكون تحت تصرف البنتاغون. وهو ما أدى بالنتيجة لقيام القوى الأخرى، بالتخطيط لتطوير دفاعاتها وهجوماتها السيبرنيتيكية، لندخل في عصر الجيوش الإلكترونية. وكانت الصين وروسيا والعديد من الدول الأخرى مثالاً على ذلك.
تقريرٌ حول الأنونيموس ودولتهم الإلكترونية كمثال:
من خلال الإنترنت يمكن قراءة العديد من المعلومات الموجودة حول هذه المنظمة. فمن أهم صفات ومميزات "المجهولين" أو "الأنونيموس"، أنها كيان عابر للقارات. فعلى الرغم من تكونها بشكل أساسي في أمريكا وبريطانيا، فإنها لم تنحسر فيهما حيث إن ظروف ومكان ظهورها جعلاها فكرة قابلة للتطبيق ومنتشرة في كل الأقطار المتصلة بالشبكة العنكبوتية. وحقيقة الأمر أن لكل منها أولوياتها الخاصة. فمثلًا: قامت مجموعة من "المجهولين المصريين" بتنفيذ "عملية نتنياهو" بالهجوم على موقع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، انتقامًا لمقتل جنود مصريين على الحدود، وتم بالفعل تعطيل الموقع، بالإضافة إلى مواقع إسرائيلية أخرى، وهو ما ليس بالضرورة أن يشارك فيه مجهولون من دول غير عربية، كما هو الحال في عملية الإخوان المسلمين التي ليس بالضرورة أن تنال دعم كل مجهولي مصر.
أما الخاصية أو الصفة الأخرى أيضًا من صفات “المجهولين” فهي أنها لا تتكون حصريًا من مجموعة من محترفي القرصنة، أو ما يعرف بـ”الهاكرز”؛ لكنها تضم في صفوفها مجموعات لديها مهارات الكتابة، وأخرى قادرة على صناعة مقاطع الفيديو، وأخرى ناشطة في الشارع، وأخرى قد لا تكون لديها أي من هذه المهارات، ولكنها تساعد في نشر المعلومات والرسائل واستنساخها، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي.
والصفة الأخرى هي أن طبيعة عمليات "أنونيموس" قد أظهرت أنها مجموعة لا مركزية بكل معنى الكلمة، فضلًا عن قدرتها التقنية العالية التي تمكنها من القيام بعمليات قرصنة محترفة، كتسريب المعلومات، وسرقة البيانات، والتي تعد أكثر تعقيداً من تعطيل أو إسقاط موقع. ومن ضمن هؤلاء العناصر المؤثرة والتي تم القبض عليهم، أو حققت معهم السلطات في واشنطن وبريطانيا، وإسبانيا، وهولندا، وتركيا، وأشهرهم المعروف بـ "كوماندر أكس"، و"توبياري" ذو الثمانية عشر عاماً.
المجال الإلكتروني في صراعات الحاضر:
شكلت التقنيات الإلكترونية مجالاً جديداً في الصراعات القائمة. فإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي كاليوتيوب والفيس بوك يدخل في هذا السياق. وبالعودة للماضي القريب جداً، فإن العديد من الأزمات إشتعلت نتيجة ذلك. فما سُمي بالربيع العربي كان واضح المعالم، من حيث استخدام تقنية الحرب الإلكترونية، للترويج ضد أنظمة معينة. وقد فضحت التقارير الأمنية ما قامت به واشنطن والسعودية تحديداً فيما يتعلق بالأزمة المصرية مثلاً وكيف تم تجنيد شبكات تعمل لصالح المخابرات الغربية والعربية، لتأسيس واقعٍ على الشبكة العنكبوتية يؤدي لتحقيق مكاسب في الميدان الترويجي والإعلامي. كما أن الحروب الناشئة بين الدول الكبرى في مجال القرصنة تدخل ضمن هذا المجال. فسرقة المعلومات من الحكومات كما حصل بين الصين وأمريكا يعتبر من مظاهر هذه الحرب.
ولأن الواقع اليوم مشغولٌ بالخطر الداعشي، لا بد من الإشارة الى أن الإرهاب الدولي يستخدم هذا المجال لتحقيق العديد من الأهداف. وهو ما ظهر مع نشوء القاعدة. أما اليوم فيقوم داعش بترويج إرهابه عبر أحدث التقنيات مستخدماً الإخراج العالي الجودة، وهو ما يُثبت الى جانب أن الحرب الإلكترونية تشكل واقعاً ملموساً، وجود أجهزة إستخباراتٍ تُدير هذا الموضوع.
النتيجة للمستقبل:
بناءاً لما تقدم فإن الحرب الإلكترونية أصبحت تشكل واقعاً مفروضاً بكل ما للكلمة من معنى. وفيما يعتبره البعض أداةً ضمن الحرب الناعمة، يجب الإشارة الى أنه يدخل في العديد من المجالات الحربية. ولأن المجال الإلكتروني أصبح ساحةً جديدة في الحروب، فعلى الجميع إنشاء العديد اللازم لإدارة هكذا ساحة. فالحرب العالمية المقبلة قد تكون ناريةً ولكن بأسلحةٍ مختلفة.