الوقت- ترى أنقرة في حركات الشعوب التحررية عموما والطموح الكردي ببناء استقلالية خصوصا عوامل تحد من طموحاتها الإقليمية، لتأتي نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة والتي لم يحقق فيها حزب العدالة والتنمية عدد المقاعد كتلك التي في الدورة السابقة عاملا اضافيا في ذلك، وعليه تعمل السياسة التركية الأردوغانية في سبيل الحد من التأثير المترتب على تغيرات المنطقة من جهة ولتحسين موقفها على الساحة الدولية من جهة أخرى. فالإتهامات الموجهة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا كلها تصب في خانة التورط بدعم جماعات التكفير على كافة الصعد والتي رشح عنها مؤخرا بعض نتائجها التي تمثلت بالتفجير الأخير في مدينة سروج، هذا إلى وقوفها موقفا معاديا لجهود ضرب هذه الجماعات بغض النظر عن جديتها، إلى موقفها حيال المفاوضات النووية التي انتجت تواقفا. كل هذا دفع بتركيا لإستغلال الفرصة والخروج من أزمتها من خلال انتهاج سياسة جديدة اتجاه أكراد المنطقة والتي يصفها البعض سياسة الهروب من أزمة إلى أزمة أخرى ستولد أزمات واضطرابات ستنعكس سلبا عليها.
مواقف الاكراد المتباينة حيال الإعتداءات التركية
إذن تتخذ السياسة التركية الجديدة منحى تصعيدي إتجاه الأكراد، فهي بحجة ضرب جماعات التكفير في كل من العراق وسوريا لتحسين موقفها على الساحة الدولية جعلت من أكراد شمال العراق هدفا لها والذي ترى فيه خطوة لتحقيق مطامعها ومنافعها اتجاه ملف الأكراد. الضوء الأخضر التركي لأمريكا بالإستفادة من قاعدة انجرليك جنوب البلاد بالإضافة إلى أربع قواعد أخرى ترجم بضوء أخضر أمريكي لتركيا بالتصرف اتجاه الملف الكردي وفق منافع ومكاسب لها. هذه السياسة التركية الجديدة كونت جوا مضادا لتركيا من قبل أكراد تركيا أنفسهم فضلا عن أكراد الجوار في سوريا والعراق، وعلى الرغم من انتشار الجو المضاد للسياسة التركية الجديدة من قبل الاكراد وبالخصوص اكراد العراق إلا أن وجهات النظر للقيادات الكردية حول القضية اتسم بالتناقض بين المؤيدين.
المواقف ازاء الإعتداءات التركية من الجانب الكردي تظهر بوضوح ارتباط بعض المكونات الكردية بعلاقات استراتيجية مع الجانب التركي. فالبيان الموحد عن الأحزاب الكردية في كردستان العراق والذي صدر كرد على هذه الإعتداءات جاء خفيف اللهجة وكأنه في سياق مراعات للجانب التركي من جهة وخروج من المأزق اتجاه الإلتزامات القومية حيال حزب العمال الكردستاني، فهو طالب الطرفين التركي وحزب العمال الكردستاني بإلتزام الهدوء في حين أن الجانب التركي بقصفه الإقليم العراقي الكردي يشكل اعتداءا واضحا وصريحا. فيما اعتبر زعيم حزب الإتحاد الوطني بزعامة طالباني أن تركيا معتدية ويجب رفع شكوى ضدها في المحافل الدولية والتصدي لأي اعتداء جديد قد تشنها، فيما يظهر تأييد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني لهذا الإعتداء ولو بشكل مبطن بهدف الحفاظ على مصالحه المشتركة مع الجانب التركي وهو ما يظهر تباينا وشرخا كبيرا بين الجهات الكردية وتغليب مصلحة العلاقات الإقتصادية على المصلحة القومية.
في الوقت الذي يشهد فيه اقليم كردستان العراق تجاذبا سياسيا حول موضوع الإنتخابات بين مؤيد للتمديد لبرزاني ومؤيد لإحياء العملية السياسية الإنتخابية الديمقراطية وبالتالي إجراء الإنتخابات، وفي الوقت الذي تشكل فيه جماعات التكفير الإرهابي وعلى رأسهم داعش خطرا على الإقليم والعراق برمته، إلى المشاكل الإقتصادية التي نتجت عن ذلك، وبدلا من توحيد الجهود الكردية بتنسيق عملها مع الحكومة المركزية العراقية والوقوف بوجه أي اعتداء على العراق إن كان من الجانب التكفيري الإرهابي أو الجانب التركي، نرى أن المواقف الحزبية الكردية متباينة إلى أبعد حدود.