الوقت- استقبلت صالة الجناح الدبلوماسي في مطار بغداد الدولي خلال الأسبوع الماضي العديد من كبار المسؤولين الذين جاؤوا من عدة دول إقليمية وغربية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" الذي قام بزيارة العاصمة بغداد ومدينة أربيل والسليمانية وكربلاء والنجف الأشرف وتعدّ هذه الزيارة هي الزيارة الدبلوماسية الأطول التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني لبلد آخر، وبالإضافة إلى زيارة "ظريف"، قام وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لوديريان"، والملك "عبد الله الثاني" ملك الأردن، ووزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، خلال الأيام العشرة الماضية بزيارات سريعة للعراق، ومن ناحية أخرى، سافر يوم السبت الماضي "أحمد الجربا"، رئيس حركة "الغد"، المعارضة للنظام السوري إلى العراق، ومن العاصمة بغداد أعلن "الجربا" استعداده لإرسال وفد إلى دمشق للاجتماع مع المسؤولين السوريين ولقد تسببت كثرة هذه الزيارات للعراق خلال الأيام العشرة الماضية في تسمية العاصمة بغداد بالنادي الدبلوماسي.
تنامي الدور الإقليمي والدولي للعراق
لقد مرّ العراق وإلى جانبه سوريا، خلال السنوات القليلة الماضية بالعديد من الأزمات، وفي وقتنا الحالي وبعد القضاء على فلول تنظيم "داعش" الإرهابي في هذين البلدين، بدأت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بالتفكير لتحقيق مصالحها وأهدافها الإقليمية من خلال التوغل في مدينتي بغداد وأربيل، فمن ناحية، تحاول أمريكا باعتبارها إحدى الجهات الفاعلة العالمية إيجاد موطئ قدم لها في العراق، لتقويض قوة طهران في المنطقة ومن ناحية أخرى نرى بأن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، تتسابق من أجل لعب دور مهم في المعادلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية لهذا البلد. ولكن الأحداث الأخيرة برهنت بأن جميع مساعي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي كانت تعارض التحالف الاستراتيجي بين طهران وبغداد فشلت في تفتيت النسيج العراقي من خلال نشرها للطائفية والإرهاب في هذا البلد، وأن العراق أصبح لديه الآن رؤية أكثر استقراراً وأكثر تأثيراً على مستقبل المعادلات الإقليمية.
بطبيعة الحال، إن استمرار وتعزيز العلاقات السياسية والثقافية والاقتصادية بين إيران والعراق لا تحبذه بأي حال من الأحوال الدول المعادية للمقاومة، ولقد أدى هذا التقارب بين إيران والعراق إلى قيام فريق "ترامب" بفرض ضغوطات شديدة على بغداد وهذا الأمر تؤكده الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي للعراق من أجل إقناع المسؤولين العراقيين على عدم الوقوف مع إيران ومساعدتها على تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
جهود الحكومة التكنوقراطية في بغداد لتعزيز دور ومكانة العراق
من المستحيل تجاهل جهود وتوجهات حكومة "عادل عبد المهدي" التكنوقراطية والبراغماتية، التي بذلتها خلال الفترة السابقة لتعزيز الوضع والمكانة السياسية للعراق في المنطقة والحكومة الحالية في بغداد تعدّ أكثر الحكومات العراقية براغماتية وواقعية منذ سقوط الطاغیة "صدام حسين"، حيث تسعى هذه الحكومة لتوسيع علاقات بغداد مع الدول الأخرى كهدف رئيسي في سياساتها الخارجية وهذا الهدف هو ما دفع الحكومة العراقية إلى زيارة بلدان مختلفة في المنطقة وفي نفس الوقت القيام باستقبال العديد من ممثلي ومسؤولي الدول خلال الفترة السابقة، وبهذا الأمر، فلقد نجح قادة الحكومة العراقية الجديدة وتمكنوا من ترسيخ مكانة العراق كوسيط في الأحداث الإقليمية.
فشل جميع المحاولات لخلق فجوة في العلاقات بين بغداد وطهران
تبذل أمريكا حالياً الكثير من الجهود لخلق فجوة في العلاقات بين بغداد وطهران وذلك بالتزامن مع تنامي المكانة الإقليمية والدولية للعراق وجميع هذه الجهود بدت واضحة خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي إلى العراق، وعلى الرغم من الضغوط التي مارستها واشنطن على العراق، إلا أنه لم يحدث أي تغيير في العلاقات بين هذين البلدين الشقيقين والمتجاورين. وبصرف النظر عن العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبغداد، فإن كلا البلدين يسعيان إلى الحفاظ على علاقاتهما الطيبة من خلال بناء علاقات تجارية وثقافية بينهما، لقد أدت عمليات التنسيق بين هذين البلدين خلال الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات القليلة الماضية، إلى توطيد العلاقات الاستراتيجية وتعزيرها بين العراق وإيران ومن جهة أخرى، فإن مكانة إيران في بغداد قد أفشلت جميع مخططات واشنطن والرياض لإحداث فجوة في العلاقات بين طهران وبغداد.
يوجد اليوم ترابط اجتماعي وثقافي بين طهران وبغداد ولهذا فإن أمريكا والسعودية لن تتمكنا خلال الفترة القادمة من القضاء على هذا الترابط، ووفقاً للتجارب السابقة، فإنه يبدوا بأن واشنطن لا تريد خسارة المزيد من الأموال للحدّ من الوجود الإيراني المتنامي في العراق، وذلك لأن البيت الأبيض على مدى السنوات الـ 15 الماضية، أنفق الكثير من الأموال لإخراج إيران من المنظومة العراقية، لكنه لم يستطع تحقيق أي نجاحات تذكر في هذا السياق، بل على العكس من ذلك فلقد تنامت وتعززت العلاقات بين البلدين المتجاورين خلال السنوات الماضية.