الوقت- يشهد اليمن هذه الأيام محاولات حثيثة من تحالف العدوان للسيطرة على مدينة الحديدة، فمنذ أن أعلن الأسبوع الفائت، وزير الدفاع الأمريكي مهلة الـ 30 يوماً لوضع حدّ للحرب في اليمن، جدد تحالف العدوان مساعيه من أجل احتلال المدينة الحيوية والسيطرة على مينائها الاستراتيجي، وللمفارقة نجد أنه وفي الوقت الذي دعت فيه ظاهرياً كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا لإنهاء الحرب على اليمن، يقوم المبعوث الأممي لليمن "مارتن غريفث" بتأجيل انعقاد مؤتمر السلام بين الأطراف اليمنية، دون أن يحدد جدولاً زمنياً لهذه المفاوضات.
ويبدو أن تأجيل محادثات السلام يهدف إلى إعطاء فرصة إضافية لتحالف العدوان، بانتظار ما سوف يحققه من أوراق تفاوض على الأرض، لذلك من المتوقع خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، اشتداد وتيرة العدوان والجرائم بحق الشعب اليمني المظلوم، حيث إن الهجوم الواسع الذي شنّه التحالف السعودي الغربي على شمال الحديدة خلال الأيام الفائتة، وما تسبب به من محنة إنسانية كبيرة، أدت إلى تهجير مئات الآلاف من أبناء المدينة، إنما جاء ضمن هذا السياق.
ولكن بالرغم من ذلك، يبدو أن الأمريكيين وحتى السعوديين، غير واثقين من جدوى تمديد العدوان وإعطائه مهلة جديدة، فأمريكا وبالرغم من الدور المهم الذي اضطلعت به في هذه الحرب، والذي لم يقف عند تقديم الدعم والغطاء للسعودية والإمارات، بل تخطاه إلى القيادة العملية للحرب، اضطرت تحت وطأة فضيحة الخسائر في صفوف المدنيين إلى إصدار قرار منع تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو.
الجدير بالذكر أن "جيمس ماتيس" الصحفي في صحيفة واشنطن بوست، والمقرب من الحزب الجمهوري في أمريكا، ادّعى في مقال له قبل عدة أسابيع، أن بلاده قد توقّفت عن تزويد الطائرات الحربية السعودية والإماراتية بالوقود في الجو، إلا أن رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن "محمد علي الحوثي"، قد نفى هذه الأنباء وأكد استمرار تزويد أمريكا لطائرات العدوان بالوقود في سماء اليمن.
طبعاً هذا الاعتراف الرسمي الأمريكي بتزويد الطائرات المهاجمة على اليمن بالوقود، هو دليل واضح على المشاركة الأمريكية في العدوان على الشعب اليمني، إذ من دون هذا الدعم لن تتمكن على الأقل نصف الطائرات المهاجمة، خاصة الإماراتية من تنفيذ عمليات القصف على اليمن، وبالتالي فإن نصف القنابل التي يُقصف بها الشعب اليمني، والتي تتجاوز 2500 قنبلة في اليوم الواحد، تتحمل أمريكا مسؤوليتها المباشرة.
من المؤكد أن هذه الدعوات الأمريكية الأخيرة سواء بإيقاف تزويد طائرات العدوان بالوقود، أو بإنهاء الحرب على اليمن، إنما هي دليل يأس أمريكا من تحقيق أهداف العدوان، فأمريكا قد امتحنت في اليمن سياساتها العسكرية المعهودة، سواء بحسم الحرب عن طريق توجيه "ضربة قاضية" أو اتباع "سياسة الفوضى الخلاقة"، إلا أن كلتا السياسيتين قد فشلتا أمام صمود الشعب اليمني، فلا "عاصفة الحزم" التي استمرت نحو ستة أشهر استطاعت أن تحسم الحرب، ولا عملية "إعادة الأمل" التي استهدفت السيطرة على الطرق الرئيسية في البلاد وتقطيع أوصال اليمن وخنقه، استطاعت إجبار الشعب اليمني وقيادته المتمثلة بالسيد عبدالملك الحوثي على الخضوع والاستسلام.
بعد الإخفاق في السيطرة على العاصمة والطرق الرئيسية، حاولت السعودية وحلفاؤها الغربيون والعرب، السيطرة على المنفذ البحري الرئيس المتمثل بميناء الحديدة والذي يعتبر رئة اليمن، لخنق حركة أنصار الله اليمنية، وقد زجّت في سبيل ذلك كل إمكانياتها ومرتزقتها، وشنت على المدينة مئات الهجمات البحرية والجوية دون أن تكلل مساعيها بالنجاح.
ومن ناحية أخرى جاءت قضية جمال خاشقجي وعملية تصفيته الفظيعة داخل مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول، لتسلط الضوء مجدداً على مدى صلاحية القيادة السعودية، وقدرتها على إدارة الأزمات، وأظهرت الوجه الإرهابي الحقيقي لحكام السعودية، ما سبّب إحراجاً كبيراً للدول الغربية الداعمة للسعودية، واضطرها لإطلاق تصريحات تحدّ من تحركات الإدارة السعودية المثيرة للأزمات بما فيها دعوات لإنهاء الحرب على اليمن.
في الحقيقة، ما كان الأمريكيون يأملونه من حرب اليمن، هو أن تستعر الفوضى في البلاد وتنجرّ إلى حرب أهلية، لإنهاك اليمنيين ودفعهم إلى الطلب من أمريكا والسعودية وضع حدّ لها، وبالتالي الرضوخ لشروط العدوان، وقد وضعت السعودية كل ثقلها وجيّشت بكل أدواتها من أجل أن تدفع جزءاً من الشعب اليمني لمحاربة الآخر، لذلك لجأت إلى إعلان حكومة منصور هادي في اليمن ووضعها مقابل حكومة صنعاء، إلا أن حكومة عدن لم تتحقق فيها شروط الدولة، وبقي وزراؤها مقيمين خارج اليمن، غير قادرين على تنفيذ شيء على أرض الواقع، كما عوّلت دول العدوان على نزاع داخلي بين أنصار الله وحزب المؤتمر، ونزاع آخر بين أنصار الله وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، وحاولوا استغلال القيادي "حسن باووم"، من خلال وعود له بحكم مستقل في اليمن الجنوبي، مقابل المشاركة في معركة الحديدة إلى جانب تحالف العدوان، إلا أن جميع هذه المحاولات لم تؤت أكلها، وحتى علاقة أنصار الله مع حزب المؤتمر لم تنجرّ إلى المصير الذي كانت تتمناه لها السعودية، وبالتالي لم تتحقق آمال أمريكا والسعودية باصطناع الفوضى الخلاقة في البلاد، بل إن المناطق الشمالية من اليمن والتي يعيش فيها ثلاثة أرباع عدد السكان، بقيت في حالة هدوء نسبي، مع ازدياد في شعبية حركة أنصار الله.
إن أمريكا وحلفاءها بعد أن وصلوا إلى طريق مسدود، واستنفدوا كل السبل لفرض هيمنتهم وإرادتهم على الشعب اليمني، يعولون اليوم على الأسابيع الثلاثة القادمة لتحقيق تغيير في المعادلة على الأرض، ليستثمروها كأوراق تفاوض في محادثات السلام القادمة، لذلك فأمام اليمن ثلاثة أسابيع حساسة، قد يعمد فيها تحالف العدوان إلى تشديد جرائمه لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالشعب اليمني في محاولة لتحقيق مآربه.