الوقت-"قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر" بهذا المثل المعروف تتعامل وسائل الإعلام الغربية مع جرائم النظام السعودي حول العالم، بحيث أصبح دم الصحفي الذي قتل في غابة آل سعود (القنصلية في اسطنبول) أهم لديها من دم ملايين اليمنيين على الرغم من أن المجرم واحد ولكن آلة الموت مختلفة فهي منشار في الحالة الأولى ودبابات وطائرات في الحالة الثانية.
بوتيرة عالية تزايدت الأصوات الغربية على المستوى الرسمي ومستوى السلطة الرابعة التي تنأى بنفسها عن مملكة الرمال بعد اعترافها بقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، ولكن أين كانت صرخات الاحتجاج والإدانة تلك عندما أسقطت الطائرات السعودية القنابل على المدارس والمستشفيات وصالات الأفراح والأتراح في اليمن؟، أين تلك الأصوات عندما تم قصف حافلة مدرسية يمنية في آب/أغسطس؟، ما أسفر عن مقتل 40 صبياً تقل أعمارهم عن الحادية عشرة؟ أو عندما ألقى خطباء المساجد الممولة من قبل السعودية في أوروبا لسنوات خُطباً تروّج للعقيدة السلفية الوهابية، خالقة بذلك بؤراً للتطرف؟.
على الرغم من فظاعة ما قامت به الرياض بحق خاشقجي وتقطيع جثته إلا أننا نعتبر أن كل حياة بشرية ثمينة، بما في ذلك حياة خاشقجي (حتى ولو لم نتفق معه سياسياً وهو الذي حرّض مراراً على إباحة دم الشعب السوري)، وتستحق قضية اغتياله الاهتمام وإدانة مرتكبي هذه الجريمة، لكن الاهتمام المفاجئ، أو على الأقل إظهار الاستياء والجزع من تصرفات السعوديين الذي حدث بعد فترة طويلة من تاريخ الإعدامات المضرّج بالدماء، وجرائم الحرب، والإرهاب التي تنفث سمومها من تحت الواجهة الزائفة السطحية للثروة والإصلاح - هو في المقام الأول إشارة إلى نوع من التفضل (أي دعم قضية ما بشكل غير مجدٍ لسبب واحد فقط، وهو أن تُظهر للآخرين كم أنت شخص أخلاقي(.
هذه الصحف الغربية التي تتشدق بالمواقف الأخلاقية والتضامن مع خاشقجي هي نفسها نشرت في أكثر من مرة وبعد كل جريمة سعودية في اليمن يذهب ضحيتها عشرات الأطفال والنساء تحاول تبرير جرائم النظام السعودي بشكل غير مباشر أو على الأقل تحاول جلب التأييد الشعبي اللازم لصفقات الأسلحة التي تبرمها الدول الغربية مع هذا النظام.
وبصمت مطبق أو حديث عابر تتطرق هذه الوسائل إلى الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث لقي حوالي 16,200 مدني حتفهم منذ آذار/مارس 2015 كنتيجة مباشرة لحصار التحالف الذي تقوده السعودية، تسببت الكارثة التي صنعها البشر في حدوث مجاعة، وسميت بـ "الحرب المنسية" بسبب شحّ الاهتمام المسلّط عليها من قبل وسائل الإعلام الغربية، على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة واستمرارها لفترة زمنية طويلة.
وبحسب تقرير جديد صدر أمس عن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك فإن الوضع الإنساني في اليمن هو الأسوأ في العالم لافتاً إلى أن 14 مليون شخص قد يصبحون على شفا المجاعة خلال الأشهر القادمة في اليمن في حال استمرت الأوضاع على حالها في هذا البلد.
لوكوك كتب في مذكرة داخلية سلّمت إلى أعضاء مجلس الأمن الـ15 تحمل تاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر أن "75% من السكان، ما يعادل 22 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة وحماية بينهم 8,4 ملايين في حال انعدام الأمن الغذائي الخطير وبحاجة على توفير الغذاء لهم بصورة عاجلة"، وأوضح المسؤول الذي قدّم عرضاً يوم الثلاثاء حول الوضع الإنساني في اليمن أمام مجلس الأمن: "في أسوأ الحالات، قد يزداد عدد 8,4 ملايين بمقدار 5,6 ملايين، ما يرفع العدد الإجمالي للأشخاص على شفا المجاعة في اليمن إلى 14 مليوناً، وذكر بهذا الصدد سعر البنزين الذي ارتفع بنسبة 45% والريال الذي تراجعت قيمته بنسبة 47% مقابل الدولار"، مشيراً إلى أنه منذ أيلول/ سبتمبر فقد 20% من قيمته، وأثر هذا التراجع في قيمة العملة يطول جميع العائلات في اليمن، وأضاف: "إن أكبر عملية إنسانية تجري في اليمن مؤكداً أن أكثر من 200 شريك يقدمون المساعدة والحماية من خلال خطة إنسانية دولية".
بدوره برنامج الأغذية العالمي هو الآخر حذّر في 16 تشرين الأول/ أكتوبر بأن المجاعة قد تطول ما يصل إلى 12 مليون شخص خلال الأشهر القادمة، وقال لوكوك في المذكرة إن "الأزمة الغذائية في اليمن على ارتباط مباشر بالنزاع".
ولكن يبدو أن كلام الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية وتقاريرها الدامغة غير مسموعة في وسائل الإعلام الغربية التي تقوم بتثبيت كاميراتها إلى جانب القنصلية السعودية في اسطنبول وتعكس التطورات على مدار 24 ساعة وتقوم بنسج القصص هنا كما يقول المثل "تعمل من الحبة قبة"، ولكنها عاجزة عن تشغيل عدسات كاميراتها في اليمن ونقل الجرائم السعودية المتواصلة بحق الشعب اليمني والتي لا حصر لها، فمصير خاشقجي على ما يبدو أهم لديها من مصير ملايين اليمنيين ودمائهم التي تسال على مدار الـ24 ساعة بآلة الموت الغربية التي تقدم لنظام آل سعود المجرم.