الوقت- تشهد الساحة الإعلامية اليوم تصريحات وتحليلات مكثّفة ومتناقضة حول عملية استعادة إدلب المرتقبة، حيث تكتسب العملية أهمية كبيرة للدولة السورية التي تسعى لاستكمال نصرها وتطهير كامل الأراضي السورية من الجماعات الإرهابية، بعدما تمكّنت من طرد هذه الجماعات من أكثر من 85 بالمئة من التراب السوري، وأضحت إدلب مركز التجمع لما بقي منهم.
الجيش السوري الذي أعلن منذ أكثر من شهر استكماله لحشوده العسكرية على تخوم المحافظة التي يسيطر عليها الإرهابيون، لم يبدأ عمليته العسكرية المرتقبة بعد، وذلك بالرغم من القصف الذي نفذه على معاقل الإرهابيين في بعض المناطق، إذ إن الأمور لا تزال مرتبطة بالتفاهمات الإقليمية التي ترعاها دول مسار استانا أي روسيا وإيران وتركيا، حيث طلبت تركيا خلال الاجتماع الأخير الذي جمع زعماء الدول الثلاثة في طهران في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، مهلة إضافية لتفكيك جبهة النصرة، وفصلها عن بقية الفصائل المعارضة، إلا أن هذه المهلة تحوّلت إلى مسرح عمليات مكثفة للحرب الناعمة من قبل المعسكر الداعم للجماعات الإرهابية، بهدف رفع الروح المعنوية لهذه الجماعات وفرملة عملية إدلب وتحجيم أهدافها.
وفيما يلي نعرّج على أهم تكتيكات الحرب الناعمة المتبعة من قبل الإرهابيين وداعميهم لفرملة عملية إدلب:
أولاً: التهويل من العملية العسكرية والتحذير من كارثة إنسانية تصيب المدينة نتيجة هجوم الجيش السوري على مواقع الإرهابيين، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يكفّ عن تكرار أسطوانة "حمام الدم"، الذي ستشهده إدلب نتيجة العملية العسكرية، كما تركز وسائل إعلام الدول الداعمة للإرهابيين على بدء نزوح بعض المدنيين إلى المناطق المحاذية للحدود التركية ولجوئهم للمبيت في الخيم تحسّباً للعملية العسكرية، إلا أن وسائل الإعلام هذه تغفل عن عمد الإجراءات التي يتخذها الجيش السوري لتجنيب المدنيين تبعات قتال الإرهابيين، والتي أثبتت نجاحها في عمليات تحرير حلب ودرعا ودير الزور والغوطة، وذلك من خلال فتح معابر إنسانية واتباع سياسة التسويات والمصالحات ما أمكن، والتركيز على دك مواقع الإرهابيين، كما أن الكثير من أهالي إدلب أرسلوا إشارات إيجابية للدولة السورية، لكن جبهة النصرة وبدعم من تركيا قامت باعتقال هؤلاء الأهالي، وحتى تصفية بعضهم.
ثانياً: نظمت تركيا يوم الجمعة الماضية تظاهرات بقيادة "هيئة تحرير الشام" و "الجبهة الوطنية للتحرير" تدعو لرفض العملية العسكرية على إدلب، كما تولّت وسائل الإعلام التركية الرسمية بالتعاون مع عدد من القنوات الغربية التغطية الإعلامية لهذه التظاهرات، وقد رُفعت خلال التظاهرات آلاف الأعلام التركية وأعلام الفصائل المسلحة بما فيها جبهة النصرة.
ثالثاً: هددت تركيا صراحة الدول الأوربية، بأنه في حال شن الجيش السوري هجوماً عسكرياً على إدلب، فإن أوروبا ستكون وجهة النازحين الفارين من المعارك، ملوحة بأنها ستحمّل الدول الأوروبية جزءاً من فاتورة سقوط إدلب، وذلك في مسعى لتحشيد دولي ضد العملية المرتقبة.
رابعاً: نقلت وسائل إعلام، استعدادات يقوم بها بعض الأهالي في إدلب لتفادي هجوم كيميائي وشيك، من خلال إعدادهم كمامات يدوية الصنع من عبوات الكولا، طبعاً مشهد الأطفال لم يغب عن التقارير الإعلامية، لكسب تعاطف وتحريك الرأي العام ضد الدولة السورية، في ظل أخبار مؤكدة عن استعداد المسلحين وداعميهم لتنفيذ هجوم كيميائي مفبرك لإلصاق التهمة بالدولة السورية لتبرير أي عدوان أمريكي عليها.
خامساً: ورقة المبادئ للدول السبع التي أعلنتها "المجموعة المصغّرة" حول تصور خريطة الحل السياسي في سوريا، وشروط المساهمة الدولية في إعادة الإعمار، هذه الورقة التي وضعتها كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن، كتوصيات لمسار جنيف للحل السياسي تضمنت شروطاً تعجيزية حول علاقات سوريا الخارجية وطبيعة نظام الحكم وصلاحيات السلطات، وجاءت منفصلة عن الواقع، ومنتهية الصلاحية، ولم تكن أكثر من أداة حرب إعلامية، لرفع معنويات الإرهابيين في إدلب.
إضافة لهذه الأساليب "الناعمة" للمعسكر المعادي لدمشق، كان هنالك خطوات أكثر خشونة أيضاً لاستكمال الحرب النفسية على الشعب السوري، ورفع معنويات الإرهابيين، بما فيها استمرار تدفق التعزيزات العسكرية التركية إلى نقاط المراقبة داخل محافظة إدلب، إلا أن الجيش السوري وتحسباً لأي تحرك تركي خارج التفاهمات الإقليمية ومسار استانا، قام بتعزيز جبهاته في الريف الشمالي والغربي لحلب.
كما أن التهديدات الغربية بضرب سوريا بذريعة الكيماوي تأتي أيضاً في نفس السياق، إلا أن أمريكا تدرك جيداً أن قيامها بأي عمل عسكري ضد سوريا وجيشها، سوف يسرّع من حسم معركة إدلب وليس العكس وذلك وفقاً للتجارب السابقة، وقد حذّرت روسيا عبر تقارير إعلامية من مغبّة هكذا عمل، مشيرة إلى أن الجيش السوري قادر على إسقاط معظم الصواريخ الأمريكية المعادية ويمتلك ورقة قوية في الميدان تكمن في استهداف القواعد الأمريكية شرق الفرات القريبة بصواريخ سكود المتوافرة بكثرة لدى الجيش السوري، وأخيراً فإن الغارات الإسرائيلية على المواقع السورية ولا سيما تلك التي وقعت بالأمس على أطراف مطار دمشق الدولي، والتي نجحت منظومات الدفاع الجوي بالتصدي لها تشكّل آخر أمل للجماعات الإرهابية المسلحة التي تعوّل عليها لتشتيت الجبهات.
إن الغرض الأساسي من هذه التحركات إضافة إلى رفع معنويات الإرهابيين، يكمن في كسب الوقت وتأجيل عملية إدلب، لتحشيد أكبر قدر ممكن من التدخل الدولي والإقليمي، للضغط على الدولة السورية ودفعها إلى تحجيم عملياتها في إدلب وقصرها على مناطق محدودة، بالطبع إن الجيش السوري وحلفاءه يدركون جيداً هذا الأمر، وعليه فإن الصبر على المماطلة التركية لن يكون طويلاً.