الوقت- كثيرة هي التكهنات الصادرة حول عملية إدلب المرتقبة، إذ تزدحم وسائل الإعلام بتحليلات كثيرة حول المعركة القادمة، التحضيرات لها، كيفيتها، مدى اتساع رقعتها، الاصطفافات التي ستسبقها وتتخللها، الانسجام الروسي التركي الإيراني في تنفيذ مراحلها، إمكانية استجلاب تدخل عسكري غربي بحجة مسرحية الكيماوي وغيرها من المسائل..
ففي الوقت الذي تحتشد القوات السورية على مشارف المدينة التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة منذ العام 2015، وتشرع الطائرات الروسية بتنفيذ غارات "بذخيرة فائقة الدقة" في قصف وُصف بالأعنف على مواقع الجماعات الإرهابية في المدينة، تتحدث الأنباء عن دخول أرتال من القوات التركية، وحديث تركي عن تحييد المناطق التي ستتواجد فيها القوات التركية، في ظل اختلاف وجهات النظر بين إيران وروسيا من جهة وتركيا من جهة أخرى، حول الاستمرار بوضع المنطقة تحت خفض التصعيد لفترة إضافية أخرى، وإعطاء مهلة لتركيا لتحييد جبهة النصرة الإرهابية عن بقية الفصائل المسلحة.
إلا أن الثابت في قضية معركة إدلب، أن الجيش السوري وحلفاءه وبدعم من روسيا وإيران، قد اتخذ قراراً لا رجعة فيه بتطهير كامل الأراضي السورية من الإرهاب، حيث تشكل مدينة إدلب ومحيطها مركز التجمع الأكبر والأخير للجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا، ويتجمع فيها إرهابيون من جنسيات مختلفة، كما تؤوي كل مجاميع المسلحين الذين رفضوا التسويات في دمشق وريفها وحمص وريفها واختاروا اللجوء طوعاً إلى إدلب.
في هذا الخضم، يمكن مشاهدة شبه إجماع من جميع الجهات الدولية على تهويل العملية العسكرية والتحذير من مخاطرها، وذلك لأسباب مختلفة:
فبالنسبة للدول الأوروبية، التي حذرت العديد من الأوساط السياسية مما وصفتها بـ "كارثة إنسانية" قد تلحق بالمدنيين في إدلب، حيث أعلنت فرنسا بأنها ستشارك في ضربة عسكرية على سوريا، في حال استخدام السلاح الكيماوي، هذه الدول لديها دافع كبير لفرملة العملية العسكرية في إدلب، خشية موجة نزوح جديدة تجاه بلدانها من جهة، ومن عودة الإرهابيين المنهزمين إلى أوروبا، وتشكيلهم خطراً على أمنها.
أما أمريكا، فهي ترغب في إطالة الأزمة إلى أبعد حد ممكن، وعدم تمكين الجيش السوري من بسط سيطرته على الأراضي السورية، خاصة مع غياب تصوّر واضح للسياسة الأمريكية بعد عملية إدلب، وفيما يخصّ تركيا، فإن انطلاق معركة إدلب قبل التمكّن من تحييد جبهة النصرة، سيفقدها أهم أوراقها في الشمال السوري، وسيعرّض القوات الحليفة لها، لهجمات الجيش السوري وحلفائه، ويضعف نفوذها.
مسألة تجنيب المدنيين كارثة إنسانية، ومدى اتساع رقعة المعركة كان أهم ما تم تداوله في الاجتماع الماضي للدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا (روسيا، إيران وتركيا) في طهران، وهو مرهون إلى حد كبير بمدى التعاون والتنسيق بين الدول الثالثة، وخلافاً لما تروّج له بعض وسائل الإعلام فإن فرضية الاصطدام بين الدول الضامنة مستبعدة، خاصة أن تركيا تخشى في حين بدأت العمليات دون تنسيق معها، أن تجد نفسها أمام أمر واقع من نزوح مئات آلاف النازحين إلى الحدود التركية. ما يؤكد هذا الأمر هو التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان برغبته بلقاء نظيره الروسي لتقريب وجهات النظر التي بدت متباعدة خلال القمة التي جمعتهم مع الرئيس الإيراني في طهران.
وفي حال جرى التنسيق الروسي التركي الإيراني على أفضل حالاته، فمن المرجّح وفق محللين أن تكون العملية محدودة، وتقتصر على مناطق على أطراف محافظة إدلب، فيما ستكون المصالحات العنوان الأبرز، وفي هذه الحالة ستشكل المناطق المحيطة بمدينة إدلب مسرح العمليات والتي يوجد فيها إضافة إلى جبهة النصرة، الآلاف من الجماعات المسلحة الذين تم إجلاؤهم على مراحل من مناطق عدة، إثر رفضهم اتفاقات تسوية، كما تشمل المناطق الممتدة بين جسر الشغور جنوب غرب إدلب (محل انطلاق الطائرات من دون طيار التي تستهدف القاعدة الروسية في حميميم) وسهل الغاب الواصلة بين إدلب وشمال حماة، وأخرى تقع على جانبي جزء من الطريق الدولي حلب – دمشق الذي يمرّ في جنوب وشرق إدلب، ومن أجل ضمن أمن مدينة حلب وإمكانية تشغيل مطاره الدولي فإن على الجيش السوري أيضاً استعادة قرى جنوب غرب حلب وصولاً إلى جنوب إدلب.
إن المواظبة على مسار استانا، وعدم السماح للدول الغربية وأمريكا بعرقلة هذا المسار، أو محاولة التشويش عليه من خلال خلق مسارات موازية، أو تنفيذ أعمال استفزازية، والالتزام بمخرجات اجتماع طهران بتحييد المدنيين ومحاربة الإرهاب، سيكون الحل الأنجع لإعادة الأمن للأراضي السورية وسكانها، وتجنّب سيناريو العمليات الواسعة والتي يبدو أن الجيش السوري قد تهيأ لها أيضاً بشكل جيّد.