الوقت- اليوم تعود المحكمة الدولية إلى الواجهة من جديد منذ إقرار مشروعها من قبل مجلس الأمن الدولي، بتاريخ 21/11/2006، وإرساله إلى الدولة اللبنانية، وهكذا مضى ثلاث عشرة سنة، شهد فيها لبنان والمنطقة الكثير من المتغيرات السياسية والدولية، وخلال هذه الأعوام كنا نسمع أخباراً متفرقة عن المحكمة الدولية واتهامات بالجملة لشخصيات لبنانية وسورية بارزة، وفي لبنان انقسم الأفرقاء بين مؤيد لآلية عمل المحكمة ومعارض لها، وكان من اللافت عودة نشاط هذه المحكمة عند أي مرحلة جديدة يقدم عليها لبنان على المستوى السياسي، ويمكننا ربطها بشكل وثيق بمشاريع أمريكا في المنطقة وتعثرها من عدمه.
عودة المحكمة الدولية والحديث عنها بشكل مكثف في هذه المرحلة واقتراب انطلاق المرافعات النهائية خلال الأيام المقبلة، لا يمكن فصله عن سير الأحداث السياسية في المنطقة والانتصارات التي حققها ويحققها محور المقاومة في سوريا، واقتراب القضاء على آخر أمل للمسلحين ومشاريعهم الغربية في سوريا، وهذا ليس بالأمر الهين على واشنطن، ناهيك عن تحالف الأكراد مع الحكومة السورية والحوار معها واحتمال مشاركتها في عملية تطهير إدلب، وبالتالي فإن عودة نشاط المحكمة يبدو أنه إقرار بفشل المشروع الأمريكي في إسقاط سوريا.
قرارات المحكمة الدولية معدودة سلفاً وغير مهمة بالنسبة لفريق حزب الله وحلفائه في لبنان، لأن تاريخ هذه المحكمة وقراراتها والتسريبات التي خرجت عنها، توضح بشكل جلي حجم التلاعب بقرارات هذه المحكمة، ولمن يذكر القاضي روبرت روث، الذي قدّم استقالته بشكل مبكر من المحكمة الدولية علماً أنه كان الرئيس السابق لمحكمة البداية في المحكمة الخاصة بلبنان، ومن حسن حظ اللبنانيين الباحثين عن المصداقية والنزاهة في عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن القاضي روث دخل في خلاف مع القاضي دايفد باراغوانث، ما دفع روث إلى الإفصاح عن معلومات وعرض قرائن مهمة أظهرت أن بعض إجراءات هذه المحكمة تهدف إلى إدانة "حزب الله" لا إلى تحقيق العدالة، وأكد روث أنها تخضع لـ "ثقافة الانصياع" لإملاءات سياسية، وهذا يدفع اللبنانيين للتساؤل هل من المنطق أن يدفع لبنان ولمدة 13 عاماً دون أي تأخير الحصّة المتوجّبة عليه، 49 % من الموازنة، لتمويل هذه المحكمة وفي النهاية تكون قراراتها مبينة على أهداف سياسية وابتزاز وعرقلة لضبط الأوضاع المتأججة في لبنان؟!.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تحدّث عن مساعي جهات لبنانية وغير لبنانية لاستخدام المحكمة الدولية من جديد في مواجهة الحزب داخلياً، وحذّر الجميع من "اللعب بالنار"، وقال نصرالله إن "بعض الأوساط في 14 آذار تقول إن السبب الحقيقي لتأجيل تشكيل الحكومة هو أن المحكمة الدولية ستصدر قرارات، وبالتالي سيكون هناك وضع جديد سيبنى على أساسه، وصدرت إشارات في نفس هذا الاتجاه"، وجدّد نصرالله تأكيد موقف الحزب من أن المحكمة "لا تعني لنا شيئاً على الإطلاق، وما يصدر عنها ليس له قيمة على الإطلاق، لأننا لا نعترف بالمحكمة ولا نعتبرها جهة ذات صلة، ونقول لمن يراهنون على ذلك لا تلعبوا بالنار".
اليوم هناك عرقلة واضحة لتشكيل الحكومة اللبنانية وتأجيل غير مبرر، والمعرقل لهذا المسار السياسي الطبيعي والديمقراطي معروف ومعروفة نواياه، ولا يمكن عزله عن السعودية التي تعرضت لانتكاسة كبيرة بعد خسارة حلفائها داخل لبنان في نتائج الانتخابات البرلمانية، وما يؤكد عرقلة السعودية لتشكيل الحكومة، هو اختطاف رئيس الوزراء سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، في تدخل صارخ بالشؤون الداخلية لدولة أخرى، وفرض إملاءات عليها، واليوم لم يبقَ أمام هؤلاء المعرقلين سوى استخدام شماعة المحكمة الدولية لاستفزاز "حزب الله" وجرّه لصراعات داخلية لم ينجرّ إليها طوال الأعوام الماضية، وهذا يؤكد فشل أعداء حزب الله في الداخل والخارج، وما لم يأخذه هؤلاء بالمسار الديمقراطي لن يستطيعوا أخذه بالقوة، فهكذا يبحثون من خلال هذه المحكمة وقراراتها التي لن تصدر قبل نهاية العام عن تشكيل حكومة لا تضم "حزب الله".
ولكي تكتمل اللعبة هناك محاولات حثيثة حالياً للزجّ باسم إيران في المحكمة الدولية، بالتزامن مع تحرك إيران لرفع دعوى على أمريكا، وبالتالي تريد واشنطن قلب الموازين لمصلحتها وقد تجد في المحكمة الدولية مساحة جديدة لها لشنّ حربها على إيران تحت غطاء المؤسسات الدولية لكي تكون بعيدة عن تأثير النتائج وغير مسؤولة عنها في حال الفشل، على عكس المحاولات السابقة التي حاولت من خلالها محاربة إيران بالوكالة في سوريا والعراق ولبنان، ومع ذلك فشلت، وانتصار سوريا اليوم وخروج الإرهابيين من العراق، وانتصار أنصار المقاومة في لبنان في الانتخابات البرلمانية خير دليل على ذلك.
المحكمة الدولية خيار جيّد من حيث الظاهر لمحاربة محور المقاومة والتستر خلفها، لكن أشخاصاً مثل القاضي روث وغيرهم، فضلاً عن الانتصارات المتتالية لهذا المحور ستفشل أي محاولات جديدة لاستغلال هذه المحكمة لأغراض شخصية وحرفها عن مسارها في التوصل إلى نتائج عادلة بعيدة عن التسيس، والقادم من الأيام سيكون الحكم في ذلك.