الوقت- يمكننا القول بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصل إلى نقطة اللا عودة في مسيرته "الإصلاحية" التي يرسمها للبلاد والتي حملت طابعاً عنيفاً لكونها اللغة الوحيدة التي يتقنها كل من يصل إلى السلطة في السعودية.
لا ننكر بأن العالم كان يتطلع إلى الأمير الشاب على أنه أمل جديد ودم جديد شاب قد يسري في عروق المملكة ويخلصها من بعض المشكلات السياسة والاجتماعية العالقة منذ عقود طويلة.
أطلق ابن سلمان شعاراته الإصلاحية مع وصوله إلى ولاية العهد، حيث أحدث ضجة إعلامية تمكّن من خلالها تسليط الأضواء عليه أينما حلّ وذهب، ولكن ما حصل فيما بعد أن الداخل والخارج بدأ يترحّم على الأسلاف بعد أن رأى الأحفاد، فبالرغم من كل شيء لم تشهد العهود السابقة كل هذا العنف والتطرف الذي تم تغليفه بشعارات واهية سقطت مع الاعتقالات الأولى لرجال الأعمال والدعاة ورجال الدين والنشطاء وأبناء العائلة، ما دفع الجميع للتساؤل إلى أين يمضي ولي العهد بالبلاد؟!.
السياسة والاقتصاد
وضع ابن سلمان نصب عينيه "السياسة والاقتصاد" لكونهما المحرّك الأساسي للسيطرة على الحكم، وبدأ بابتكار لجان وقوانين وأساليب تمكّنه من إزاحة كل من يقف في طريقه في هذين المجالين، ففي السياسة استطاع ولي العهد بمساعدة والده إبعاد شبح وصول محمد بن نايف إلى كرسي العرش خلفاً للملك سلمان، وتمكّن الاثنان من إزاحته ليصبح خارج السلطة بالكامل.
ليتبع ذلك في أواخر العام 2017 حملة اعتقالات كبيرة شملت جميع أطياف رجال السياسة والاقتصاد، ليتوجّها ولي العهد باعتقال 11 أميراً، فضلاً عن وزراء وأثرياء آخرين في فندق "ريتز كارلتون" تحت شعار محاربة الفساد.
ومن خلال احتجاز هذه الشخصيات المؤثرة في مفاصل الحكم داخل السعودية تمكّن ابن سلمان من إبعاد خطر كل من يقف في وجهه من الناحية السياسية، وبنفس الوقت تمكّن من إبعاد خطر من يقف في وجه مشاريعه الاقتصادية، ولاسيما الأمير الوليد بن طلال، الذي تم اعتقاله مع بقية الأمراء بهدف تصفية الساحة من أي منافس اقتصادي للخطط القادمة التي تأتي تحت مظلة رؤية 2030، كونه شخصية تمتلك قدرة مالية طائلة، وقد يستفيد من الخصخصة التي أعلنت عنها السعودية، فضلاً عن كونه هدد بنقل استثماراته وأمواله إلى أوروبا في حال لم يتم الإفراج عن الأمير محمد بن نايف.
التصفية الجسدية
العمليات السابقة لم تجدِ نفعاً، وبالتالي هناك من يتحدث عن تحرّك ابن سلمان نحو مرحلة جديدة لإسكات جميع الأطراف المناوئة له، قد تكون التصفية الجسدية إحدى أشكالها، وبالتأكيد ستكون هذه الخطوة كما سابقاتها في إطار تعبيد طريق العرش، فهل يعبّد ابن سلمان طريقه على دماء المعارضين؟!.
في الأمس أفادت الأنباء عن مقتل المعارض السعودي المنتقد لسياسات سلطات الرياض، الشيخ سليمان الدويش تحت التعذيب في السجون السعودية، وأكدت السلطات السعودية صحة الخبر، يعرف عن الدويش أنه رفض إناطة وزارة الدفاع السعودية بمحمد بن سلمان، واشتد التضييق والتعذيب بحقه في فترة ولاية عهد ابن سلمان، فهو كان قد نصح الملك سلمان بعدم تنصيب ابنه "المراهق المدلل" في منصب وزارة الدفاع، ومنذ إطلاقه مثل هذه التصريحات اقتيد إلى السجن عام 2016 ليفارق الحياة هناك.
لكن هذا لن يكون آخر أهداف ابن سلمان فالقائمة طويلة والمعارضون كثر، ناهيك عن معارضي الخارج من أمراء وناشطين ورجال دين، ومع ذلك لم يدّخر ابن سلمان أي جهد في تصفية كل من يقف في طريقه، ففي 30 أغسطس 2017، كشف حساب "محمد بن نايف" على موقع "تويتر" أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قتل الأمير تركي بن بندر والأمير سعود بن سيف النصر والأمير سلطان بن تركي، وعدداً من المعتقلين والمشايخ الرافضين لعلمنة السعودية.
وقال "ابن نايف" في تدوينات له عبر حسابه بموقع "تويتر": "الله يرحم الأمير تركي بن بندر ويغفر له، (أبو فيصل خسارة) سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلت وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر".
وأضاف في تغريدة أخرى: "بلغني نبأ تصفية عدد من المعتقلين في الحاير هم الأمير سعود بن سيف النصر وتركي بن بندر وسلطان بن تركي وعدد من المشايخ الرافضين لعلمنة السعودية".
موضوع التصفية خطير جداً في حال استمر على هذا النحو، خاصة أن ابن سلمان يملك القدرة على القيام بذلك مع وجود فريق مقرّب يمتلك القدرة اللوجستية على شنّ حملة تصفيات واسعة، ويمكن الإشارة هنا إلى أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات وأحد رجال ابن سلمان السريين والأساسيين، والذي لن يتردد في تنفيذ أوامر ولي العهد.
ابن سلمان أيضاً يستطيع تمرير أي قانون جديد أو أي تهمة عبر إقناع والده وهذا ليس بالأمر العسير، فقد نجح في ذلك سابقاً، فضلاً عن كونه يسيطر على القضاء والإعلام وبالتالي بإمكانه تلفيق أي تهمة لمن يريد.
في الختام.. التهور وعدم التجربة، رغم أنها قد تبدو من نقاط الضعف، إلا أن هذه السمة التي يتمتع بها ابن سلمان قد تدفعه للدخول في محظور التصفية الجسدية.