الوقت- يبدو أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" غير جدير بالتفاوض مع إيران، ففي الأسبوع الماضي، دعا هذا الرئيس الأحمق لثلاث مرات المسؤولين في جمهورية إيران الإسلامية للجلوس على طاولة المفاوضات من دون أي شروط مسبقة، حيث تُعدّ حكومة "ترامب" واحدة من أكثر الحكومات المناهضة لإيران منذ بدء المواجهة بين طهران وواشنطن عقب انتصار الثورة الإيرانية في فبراير 1979 ولـ "ترامب" علاقة وثيقة جداً مع اللوبي الصهيوني، والمعادين لإيران في المنطقة.
إن الأعمال التي قام بها الرئيس "ترامب" وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وفرضه للكثير من العقوبات، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن نوايا هذا الرئيس من دعوته للتفاوض مرة أخرى مع المسؤولين الإيرانيين، مريبة ومضللة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، لماذا يصرّ هذا الرئيس الأمريكي كثيراً على التفاوض مع المسؤولين الإيرانيين؟ وفي مثل هذه الحالة، هل يمكن أن تكون عملية التفاوض معه، غير فعّالة وغير معقولة؟ وهل من الممكن الاستفادة من عقليته التجارية والبراغماتية، لكسب بعض الامتيازات؟
نظراً إلى أن الرئيس "ترامب" يفتقر للكثير من الخبرة في المجال السياسي وعدم فهمه لواقع العلاقات الدولية، وخاصة عدم معرفته بطبيعة الشعب الإيراني، فإنه اعتقد بأن انسحابه من الاتفاق النووي وفرضه العديد من العقوبات الاقتصادية على هذا البلد، سيستطيع أن يُجبر المسؤولين الإيرانيين على الجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات وأن يُملي عليهم ما يريد، لكن بمرور الوقت، تلاشت جميع تطلعاته تلك وأصبحت ضرباً من الخيال وأصبح من المؤكد لدى "ترامب" بأن أمريكا هُزمت وعُزلت في جميع المفاوضات العالمية والإقليمية ولا سيما في سوريا ولبنان واليمن وأفغانستان والعراق وشبه الجزيرة الكورية ولهذا فلقد أجرى مسؤولون في واشنطن العديد من السفريات الخارجية المتتالية لإجبار دول أخرى على الوقوف معهم ضد إيران، لكنهم في نهاية المطاف لم ينجحوا في تحقيق مشروعهم هذا.
وفي سياق متصل وبّخ كلّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، أمريكا عندما قامت بالانسحاب من هذا الاتفاق الدولي، وقرروا بأنهم سيقومون بمواجهة جميع الإجراءات الأحادية لأمريكا في مختلف المجالات، بما في ذلك الحرب التجارية التي شنتها واشنطن على بعض دول العالم، وحول هذا السياق أعلنت الصين والهند اللتان تملكان أكبر حصة في مشتريات النفط الإيراني أنهما ستستمران في شراء النفط من إيران ومن جهة أخرى طالبت بعض الدول بتعويضات عن الأضرار التي تسببت فيها أمريكا جراء قطع علاقاتها مع إيران وهنا أصبح جلياً للرئيس "ترامب" بأن إيران لن تستسلم له ونتيجة لذلك، أصبح "ترامب" يشعر في الوقت الحالي بأنه لن يستطيع أن يصل إلى هدفه وأن أعماله هذه، ستجعل أمريكا أكثر عرضة للعزلة الدولية ولربما لهذا السبب، يعتزم "ترامب"، البدء بمفاوضات مع المسؤولين الإيرانيين من دون شروط مسبقة وجلب إيران إلى طاولة المفاوضات.
ويرى "ترامب" بأن قبول إيران لمبدأ التفاوض، سيمنحه انتصاراً عظيماً في الساحة الداخلية الأمريكية وسيساعده في الفوز في الانتخابات المقبلة، وسُيعدّ هذا القبول بالنسبة لإيران هزيمة كبيرة وفي هذه الحالة، سيمكنه أن يعلن بأنه قام بشيء لم يتمكن أيٌّ من الرؤساء السابقين لأمريكا القيام به حتى الآن، وسيصبح بمقدوره القول بأنه حقق انتصاراً عظيماً، لأنه منذ البداية كان يدعو إلى الانسحاب من هذه الصفقة السيئة "حسب تعبيره" وبافتراض قبول إيران للمفاوضات والقبول بالهزيمة الكبرى، فإن "ترامب " سوف يتمكن من أن ينشر إنجازاته ويصل إلى أهدافه الداخلية من دون التفكير في الخطوات التالية للتفاوض والنتائج المحتملة.
إن قبول التفاوض والجلوس على طاولة المفاوضات سيعني بأن سياسة ممارسة الضغوط والتهديدات كانت إيجابية وحققت أهدافها، حتى ولو لم يعقبها مفاوضات أخرى، إن قبول إعادة التفاوض يعني في واقع الأمر قبول التخلي عن الاتفاق النووي وبطلانه وفي هذه الحالة، ستتلاشى الإرادة الجماعية للقوى والدول الأخرى في الحفاظ على هذا الاتفاق النووي والوقوف ضد الأحادية الأمريكية، إن وحدة وتعاون مختلف البلدان للحفاظ على هذا الاتفاق النووي والتصدي لكل الإجراءات الأحادية الجانب التي تتخذها أمريكا، سوف يصبّ في مصلحة إيران، ولذا يجب على الحكومة الإيرانية عدم التخلي عن هذه الفرص وجعل المسار أكثر وعورةً.
ونظراً لشخصية الرئيس "ترامب" التجارية والبراغماتية، فإن فرضية الدخول في صفقة والتنازل لمصلحة كلا الطرفين هي فكرة غير معقولة وغير موضوعية وغير مقبولة وهنا يطرح هذا السؤال نفسه، هل من الممكن أن يسمح النظام السياسي لأمريكا والمؤسسات القوية مثل مجلس النواب ومجلس الشيوخ، بأن تُدار هذه المعاملة الحساسة مع إيران من قبل رجل عديم الخبرة اسمه "ترامب"؟
لقد قام الكونغرس الأمريكي بإعفاء الرئيس "ترامب" من اتخاذ قرار حول قضية شراء تركيا لصواريخ S-400 من روسيا، فهل من المعقول أن يسمح هذا المجلس لـ"ترامب" باتخاذ قرارات تخصّ الملف الإيراني! وبغض النظر عن الأسباب العديدة التي تجعل هذا التفاوض غير فعّال، فهل يمكن الاستمرار في الاعتماد على هذا "التاجر البراغماتي" للقيام بالتفاوض مع إيران ؟!.