الوقت - لقد شهدت سياسة السعودية الإقليمية تغييراً جوهرياً عمّا كانت عليه في السابق خلال عهد الملك سلمان، وبرز هذا الأمر بشكل أوضح مع تولّي نجله الأمير محمد منصب ولي العهد، إن النهج العدواني الذي اتبعته المملكة خلال فترة حكم "الملك الجديد والابن" والتدخل المباشر وغير المباشر في أزمات المنطقة ودعم جماعات متطرفة في كل من "العراق، سوريا، اليمن، ليبيا وأفغانستان"، ومن ناحية أخرى وعلى عكس سياستها السابقة دخلت السعودية في حرب مفتوحة مع محور المقاومة، ناهيك عن التغييرات المفاجئة فيما يخصّ القضية الفلسطينية والابتعاد عنها لمصلحة التقرّب من "إسرائيل".
ما يميّز هذه المرحلة بطبيعة الحال هو خلع العباءة السعودية عن القضية الفلسطينية والاتجاه نحو احتضان العدو الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية، طبعاً ما تفعله السعودية اليوم هو ما كانت تطمح إليه "إسرائيل" منذ عقود طويلة ولم يتحقق في ظل وقوف ملوك السعودية المتعاقبين ولو بالظاهر مع القضية الفلسطينية، والدفاع عنها على المنابر الإعلامية، ولكن ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، شعر الصهاينة بالأمان، وما عزّز هذا الشعور تعليمات ترامب التي كان يوجهها لولي العهد ابن سلمان والذي لم يكن يتوانى في تنفيذها لأسباب مختلفة لعل أبرزها السعي للوصول إلى العرش.
استغلت واشنطن قلّة الخبرة السياسية لـ"ابن سلمان" ورغبته وطموحه بالوصول إلى كرسي العرش، وطوّعته من حيث يدري أو لا يدري لخدمة مشاريعها ومشاريع الصهاينة، وتمكّنت لحدود معيّنة من حرف السياسة السعودية عن مسارها.
ومقابل ذلك كان هناك عدة عوامل تقف عائقاً في وجه ابن سلمان لعلّ ابن عمّه محمد بن نايف أبرزها لكونه كان يشغل منصب ولي العهد، لذلك لم يكن هناك مانع لدى ابن سلمان من التحالف مع أمريكا للحصول على حمايتها بعد عزل ابن نايف تجنّباً لأي خطر قد يشكّله ابن عمّه في المرحلة المقبلة والتي يمهّد فيها لنفسه للوصول إلى الحكم، نفس الأمر لم يمنعه من خيانة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين بالعيش بسلام على أرض أجدادهم.
وكان لافتاً جداً أنه في الوقت الذي عارض وأدان فيه الفلسطينيون ومعظم دول العالم قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة أبدية لـ "إسرائيل"، ذهب ابن سلمان إلى أمريكا والتقى ببعض رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية في نيويورك، وقال: " إن الوقت قد حان كي يقبل الفلسطينيون ما يعرض عليهم، وأن يعودوا لطاولة المفاوضات وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمّر"، وكشفت التسريبات أن ابن سلمان وجّه خلال اللقاء انتقادات لاذعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
من جهة أخرى، نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي عربي في الرياض قوله: "في السعودية الملك هو من يتخذ القرارات بشأن هذه القضية الآن وليس ولي العهد"، وأضاف "خطأ أمريكا أنها اعتقدت أن بإمكان دولة واحدة الضغط على بقية الدول للتسليم، لكن الأمر لا يتعلّق بالضغط، فلا يملك زعيم عربي التخلي عن القدس أو الفلسطينيين".
وطمأنت السعودية حلفاءها العرب بأنها لن توافق على أي خطة للسلام في الشرق الأوسط لا تعالج وضع القدس أو حق اللاجئين في العودة، ما أدّى إلى مخاوف من احتمال أن تؤيد المملكة اتفاقاً أمريكياً وليداً ينحاز لـ "إسرائيل" في هذين الأمرين.
وقال دبلوماسيون ومحللون إن الضمانات الخاصة التي قدّمها العاهل السعودي الملك سلمان للرئيس الفلسطيني محمود عباس ودفاعه العلني عن المواقف العربية الثابتة في الأشهر الأخيرة ساعد في تغيير التصورات القائلة بأنّ السعودية غيّرت موقفها تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وحدة فلسطين وتراجع السعودية
على مدى العقود الماضية، وخاصة بعد التوترات بين بعض الحكومات العربية والنظام الصهيوني، استغلّ كيان الاحتلال الخلافات التي حصلت بين العرب والفلسطينيين أنفسهم حول الموقف المتخذ ضد أعمال وعدوان النظام الصهيوني والقضية الفلسطينية.
واليوم وفي ظل الظروف الجديدة اتجهت الأمور نحو تصفية القضية الفلسطينية بعد تصاعد الخلافات بين الأفرقاء وانحياز السعودية عبر ابن سلمان نحو الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، وبدأت واشنطن على هذا الأساس تبني معاهدات واتفاقات لا تلتزم بالحد الأدنى لحقوق الفلسطينيين.
الشعب الفلسطيني يقاوم جميع الجماعات والتيارات التي تريد تصفية القضية الفلسطينية، داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وجميع الحكومات التي تتوافق مع خطة ترامب خونة وأعداء للشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي.
وبعد صدور القرار بنقل السفارة، خرج آلاف الفلسطينيين للاحتجاج على هذا القرار المجحف بحقهم وبدأت مسيرات استمرت طوال الشهور الماضية، حملت اسم "مسيرات العودة"، وبناءً على هذا استشعر ابن سلمان خطورة الموقف بعد أن كان قد ظنّ أن قضية فلسطين تغيرت وفقدت أهميتها في العالم الإسلامي، ليرى ضعفه بين الفلسطينيين والأمة الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى، يشهد ظهور نفوذ خطاب المقاومة بين الفلسطينيين والمنطقة، التي يخافها السعوديون كثيراً، لذلك وجدنا الملك سلمان يحاول إنقاذ مكانته ومكانة ابنه ليدخل في استعراض إعلامي لدعم الفلسطينيين ويعلن تبرئه من خطة أمريكا.