الوقت - يبدو أن الخلافات المتنامية بين تركيا وأمريكا بلغت الحد الذي يصعب فيه استمرار بقاء أنقرة تحت مظلة الحلف الاستراتيجي الغربي بزعامة واشنطن.
خلال العام 2002، وعقب وصول حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي إلى سدة الحكم في تركيا وتوسّع نطاق نفوذه تدريجياً، دخلت العملية السياسية في الداخل التركي مرحلة جديدة قائمة على تجاوز الحلف الاستراتيجي الغربي الذي ترأسه أمريكا.
ومنذ انطلاق الصحوة الإسلامية والحراك الشعبي داخل البلدان العربية، تفاقمت الخلافات تدريجياً على صعيد المواقف التركية تجاه سياسات أمريكا، لتصل إلى مرحلة التوتر في العلاقات الثنائية خلال عهد أوباما، كما تواصلت في عهد ترامب، وهو ما يفسر التراشقات بين الزعيمين الأمريكي والتركي في المرحلة الراهنة.
ومن خلال قراءة الظروف السائدة على هذه الخلافات وأيضاً تأثيرها على مستقبل العلاقات بين واشنطن وأنقرة، نشير إلى المواقف التي صدرت خلال الأيام الأخيرة على لسان الساسة الأمريكيين والأتراك المتمثلة في إطلاق التهديدات لبعضهما.
فقد هدّد نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس" أن بلاده ستفرض عقوبات على تركيا إذا ما رفضت الإفراج عن القس المعتقل لديها، وتعاقبت بعد ذلك تغريدة ترامب في 26 يوليو / تموز 2018 ، التي طالب فيها هو الآخر بالإفراج عن القس "اندرو برونسون" أو ستواجه تركيا "عقوبات كبيرة".
هذا التطور لقي ردّاً تركيّاً على لسان وزير الخارجية "مولود تشافيش اوغلو" في تغريدة له، مؤكداً فيها أن بلاده لن ترضخ للإملاءات من أي جانب ولن تتحمل التهديدات أبداً، وأن سيادة القانون تشمل الجميع دون استثناء.
وإلى جانب هذه المشادات الكلامية بين الجانبين، والتي تركزت نوعاً ما على موضوع الإفراج عن القس برونسون، جاءت تهديدات الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" ضد أمريكا، التي أكد فيها أنه في حال رفضت واشنطن تسليم مقاتلات الـ اف -35 إلى أنقرة، فسترفع الأخيرة شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد واشنطن، الأمر الذي يجسّد مدى حدة الخلافات القائمة بين الجانبين والتي أخذت في المرحلة الراهنة منحى تصاعدياً أكثر من أي وقت مضى.
وفي سياق تحديد أبرز القضايا الخلافية بين تركيا وأمريكا، تجدر الإشارة إلى التعاون الأمريكي مع الأكراد السوريين، ومطالب تركيا في استرداد الداعية المعارض "فتح الله غولن"، والخلافات حول اعتقال القس اندرو بورنسون، وأسلوب التعاطي مع الحظر المفروض ضد إيران، وأيضاً استلام مقاتلات الـ اف 35 والمضادات الصاروخية.
ويرى المراقبون أن هذه القضايا العالقة من شأنها أن تزيد في هوّة الشرخ الحالي على صعيد العلاقات التركية – الأمريكية، لتبلغ مستوى غير معهود، فهناك الخلافات المتنامية بين الجانبين التركي والأمريكي على خلفية توجهات أردوغان المنحازة إلى "العثمانيين الجدد"، ليعيد الأخير حساباته في بقاء تركيا وحيدة تحت مظلة التحالف الذي ترأسه أمريكا.
يضاف إلى ذلك تجديد الثقة الشعبية بحزب العدالة والتنمية وإعادة انتخابه في منصب الحزب الحاكم على تركيا، الحزب الذي يحظى بقاعدة إسلامية وطنية في المجتمع التركي، وبما يثقل عليه المسؤولية في مناوئة الجشع والمواقف الأحادية الأمريكية، وذلك على خلفية انعدام الثقة في الداخل التركي تجاه واشنطن والساسة الأمريكيين في الوفاء بتعهداتهم تجاه أنقرة.
هذه التطورات أقنعت المسؤولين الأتراك بأنه حان الوقت للوقوف بوجه أمريكا وعدم الاستمرار في انتهاج سياسات متناغمة مع الحلف السابق، وعلى الصعيد نفسه أكد أردوغان في تصريح لوسائل الإعلام التركية، وبكل وضوح أن "أمريكا ستخسر تركيا".
ختاماً.. يشار إلى أنه رغم صعوبة انسحاب تركيا التام والسريع من محور الغرب، وذلك في ضوء تبعية هذا البلد العسكرية والأمنية والاقتصادية للغرب، لكن في حال تنفيذ عقوبات ترامب على أنقرة، يبدو أن هذا التطور سيرى النور بوتيرة أسرع من المتوقع.