الوقت- عقد مركز "نور" للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية بمشاركة عدد من الخبراء والمحللين البارزين في إيران، بما يشمل رئيس مركز انديشة سازان نور "الدكتور سعد الله زارعي"، ومستشار وزير الخارجية الإيراني "الدكتور حسين شيخ الإسلام"، والخبير في شؤون الشرق أوسطية "الدكتور محمد علي مهتدي" إلى جانب الرئيس السابق لمركز دراسات فلسطين "علي رضا سلطانشاهي".
وسلّط هؤلاء الخبراء في حديثهم خلال الندوة الضوء على التطورات الأخيرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ولاسيما تداعيات الإجراء الأمريكي اللاقانوني في نقل سفارة هذا البلد من تل أبيب إلى القدس، وما صاحبته من جرائم قمعية مارسها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وخاصة أهالي قطاع غزة المحاصر وذلك على خلفية مسيرات "يوم العودة" التي بدأت في 30 مارس وتستمر أسبوعياً في يوم الجمعة داخل القطاع.
يضاف إلى ذلك القانون المشين الذي سنّه الكنسيت "الإسرائيلي" في 19 يوليو 2018 تحت عنوان "الدولة القومية لليهود"، والذي قوبل برفض دولي واسع، وخاصة من جانب الدول الإسلامية ومنظّمة التعاون الإسلامي.
وفي بداية الندوة أشار الدكتور زارعي إلى أن قانون الدولة القومية اليهودية الذي سنّه الكنيست يؤكد أن "إسرائيل" ستكون موطناً ليهود العالم، و"أن هذا القانون سيكون سارياً دون مواجهة أي خلل"، وبشأن سائر الأقوام والمذاهب، حيث إن هذا القانون سيكون بمثابة حرمانهم من حق تقرير المصير والاحتفاظ بهويتهم.
وأشار الدكتور زارعي إلى ردود الفعل ومواقف الرفض التي تعاقبت على سنّ هذا القانون داخل الكيان الصهيوني بمن فيهم أعضاء الكنيست ومجلس الوزراء والجيش، وأيضاً على الصعيد الخارجي بما يشمل حلفاء الكيان الصهيوني في الغرب والعالم العربي مثل جامعة الدول العربية.
وأوضح زارعي أن هدف الكيان الصهيوني من الإفصاح عن رفض قانون الدولة القومية اليهودية داخل الكيان هو الترويج إلى أن "هذا القانون لم يحسم بعد"، لامتصاص غضب الشعب الفلسطيني، والتقليل من حدّة المواقف المعارضة من جانب العرب والمسلمين، وأيضاً رفض المجتمع الدولي لهذا الإجراء العرقي الذي انتهك جميع القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
وقال إن هذا القانون سيؤدي في الداخل "الإسرائيلي" إلى تشديد حدة المواجهات بين المسلمين واليهود والتي تلقى ترحيباً من جانب الكيان الصهيوني لكونها تخدم مشروعه الرامي إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين الذين يقطنون في الأراضي المحتلة ويبلغ عددهم مليون و400 ألف نسمة، وبالتالي إقناعهم بمغادرة الأراضي المحتلة طوعاً ليتحقق بذلك هدف الكيان الغاصب في تهويد كامل الأراضي المحتلة.
يرى الدكتور زارعي أن تنفيذ هذا القانون من شأنه أن يزيد في تفاقم النزاعات الإقليمية على ضوء المواقف الرافضة لتشكيل "دولة يهودية".
كما أكد أن إصدار قانون الدولة القومية اليهودية يعدّ بمثابة إقرار الكيان الصهيوني بفشل مشروع الدولة العبرية، مبيناً أن الصهاينة وفي إطار زعمهم تأسيس دولة "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات" لم يرتضوا بالحدود الحالية للكيان وعليه فلم يقدموا على تأسيس دولة قومية يهودية قبل تحقيق هذا الحلم، مردفاً أن القانون الصهيوني الجديد أظهر مدى فشل الكيان الغاصب في بلوغ مآربه.
بدوره ركّز الدكتور شيخ الإسلام في حديثه خلال الندوة على موقف الفلسطينيين من القانون الصهيوني، مؤكداً أن المسيرات الاحتجاجية التي ينظّمها الشعب الفلسطيني تحت عنوان "يوم العودة" تشكّل عنصراً أساسياً في إفشال المخططات الصهيونية لكسب الدعم الدولي.
وأضاف إن هذه المسيرات أصبحت اليوم أكثر تأثيراً مقارنة بالأساليب الأخرى، كما أنها تنطبق على القوانين الدولية.
وتابع شيخ الإسلام إن مسيرات يوم العودة قلبت الساحة على الكيان الصهيوني وبثت الخوف والذّعر في قلبه لذلك يلجأ إلى أبشع الوسائل في قمع هذه المسيرات السلمية التي تقام وراء الأسلاك الشائكة، ما خلّف حتى اليوم مئات الشهداء والجرحى بين صفوف المتظاهرين العزّل.
ويؤكد مستشار وزير الخارجية الإيراني أن الشعب الفلسطيني وتحديداً أهالي غزة تمكنوا من خلال مسيرات يوم العودة أن يكشفوا حقيقة هذا الكيان الغاصب أمام الرأي العام الدولي، مبيناً أن "إسرائيل" لا تتمتع اليوم بذات النسبة من التأييد الدولي الذي كانت عليه قبل عقدين.
كما أشار إلى دور السعودية في تنفيذ سيناريوهات الكيان الصهيوني، مبيناً أن الأسرة السعودية الحاكمة الخبيثة تولّت منذ البداية دور الخيانة.
وتابع قائلاً إن السعوديين وعلى رأسهم محمد بن سلمان قرّروا إنشاء مدينة حديثة تضم كلّاً من جزيرتي "تيران" و"الصنافير" وجانباً من صحراء سيناء، وتقديم عروض مغرية لاستقطاب اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك المدينة وبالتالي إقناعهم بصرف النظر عن حلمهم في العودة إلى فلسطين.
إلى ذلك تطرّق الخبير في شؤون الشرق الأوسط "محمد علي مهتدي"، في حديثه خلال الندوة إلى تناقضات قانون "الدولة القومية لليهود"، مبيناً أنه منذ تأليف كتاب الدولة اليهودية حتى احتلال فلسطين في 1948 تردد هذا السؤال، هل ستكون "إسرائيل" دولة يهودية أو دولة لليهود؟ .
وتابع قائلاً إن الجانب الأهم في هذا الخصوص هو أن تأسيس "الدولة" غير مصرّح به وفقاً لتعليمات التوراة، ويتعارض أيضاً مع العقائد اليهودية التي تؤكد أن تأسيس الدولة العبرية سيكون على يد "منجّي اليهود الذي سيظهر في آخر الزمان".
وأشار مهتدي إلى القوانين الدولية التي تؤكد أن "تأسيس دولة دينية يتعارض وأسس الديمقراطية"، والتي يدّعي الكيان الصهيوني الالتزام بها مستدلاً بذلك أن الإعلان عن قانون الدولة القومية اليهودية سيشكل اعترافاً بنهاية الديمقراطية (المزعومة) وبداية دولة قائمة على نظام التمييز العنصري داخل الكيان.
ونوه مهتدي بتصريحات سماحة قائد الثورة الإسلامية التي حزم فيها فشل كلا المخططين "الدولة القومية لليهود" وأيضاً "صفقة القرن".
وأردف أن ما يزيد عن مليون ونصف المليون فلسطيني بمن فيهم المسيحيون والمسلمون يقطنون شمال فلسطين المحتلة، متسائلاً كيف سيكون مصير هؤلاء في ضوء قانون الدولة القومية لليهود؟
إلى ذلك، قدّم الرئيس السابق لـ "مركز دراسات فلسطين" علي رضا سلطانشاهي، نبذة في حديثه خلال الندوة عن أهدف تأسيس الكيان الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن "المال والأمن" يشكلان ركيزتين أساسيتين في تكوين الدولة العبرية.
ولفت سلطانشاهي إلى ضرورة الفصل بين اليهودية الأصلية التابعة لشريعة النبي موسى (ع)، واليهودية المحرفة التي اتخذت مساراً مغايراً لهذه الشريعة، والمتمثلة اليوم في الديانة المعتمدة لدى الكيان الصهيوني ونتنياهو.
وأكد أنه وفقاً لهذا التعريف فإن الإعلان عن قانون الدولة القومية لليهود ليس بالأمر الجديد بالنسبة للكيان المحتل الذي أقيم على أسس عرقية وربحية، مضيفاً أن ما يروّج له هذا الكيان وعلى سبيل المثال لا الحصر "أسطورة الهلوكوست" هو من أجل الحصول على المزيد من تعاطف الرأي العام الدولي مع اليهود وتوظيف هذه المشاعر لمصلحة مآربه البغيضة.
وخلص الخبير في شؤون فلسطين إلى أن اليهود الصهاينة توصلوا إلى قناعة أن تأسيس دولة "إسرائيل" داخل الأراضي الفلسطينية يضمن لهم المال والأمن والسيطرة على العالم.