الوقت - وسائل التواصل التي وجدت لخدمتنا، بتنا نحن من يخدمها اليوم "فيسبوك توتير" وغيرها نجحت في التأثير بفاعلية كبيرة جدّاً على المحيط البشري، ولاسيّما الشباب ليصل الأمر إلى تغيير العادات الاجتماعيّة.
هذه الأدوات كغيرها من الأدوات الناجعة في الوصول إلى الجمهور والتأثير عليهم باتت اليوم تلعب دوراً سياسياً يمكن من خلاله التأثير على رأي عام بأكمله، أو حتى على علاقات الدول والمناصب العليا فيها.
لقد وقعت في الفخ
مما لا شك فيه بأن وسائل التواصل الاجتماعي تحمل في طياتها تفاصيل جذابة سريعة التأثير نظراً لسهولة نقل المعلومة والتواصل بسرعة كبيرة لم تكن متاحة بهذا الشكل، وساهمت هذه الوسائل في بناء نمط جديد من العلاقات بين الأفراد، ربما تكون وهمية في أغلبها لكنها تحوّلت إلى ادمان مع مرور الزمان، وهذا ما تحاول الشركات المصدّرة لهذه البرامج فعله، من خلال اكتشاف نقاط الضعف لدى كل مجتمع أو فرد وتوجيهه واللعب بمشاعره وفقاً لما تريده الشركة من هذه الفئة العمرية.
مثال:
انتشر تقرير مسرّب أخيراً يفيد بأن "فيسبوك" يستطيع تمييز المراهقين الذين يشعرون بأنهم "عديمي القيمة أو بالتوتر أو انعدام الأمان"، ووفقاً لهذا التقرير الذي حصلت عليه صحيفة "ذي أوستراليان"، فإن الشركة تستطيع مراقبة الصور والمنشورات بصورة فورية لتحديد الوقت الذي يشعر فيه المستخدم بـ "الهزيمة والتوتر والإرباك والغباء والفشل والعصبية"، ما يعني أنها تستطيع التوجّه إليه بإعلانات مصممة خصيصاً له نظراً إلى أن هذه الأحاسيس تُنمّي بعض الرغبات الاستهلاكية.
وسبق للشركة أن واجهت انتقادات حادّة عام 2014 بسبب تجربة واسعة قامت بها، مكّنتها من تغيير مزاج المستخدمين، وعمدت الشركة في هذه التجربة إلى تقسيم أكثر من 689 ألف مستخدم إلى مجموعتين، عرضت لأول مجموعة منشورات أصدقائهم التي تحتوي على مشاعر إيجابية في حين عرضت للمجموعة الثانية المنشورات التي تحتوي على مشاعر سلبية، وكل هذه التجارب تمت دون علم المستخدمين بطبيعة الحال.
وفي النهاية وصلت الشركة إلى خلاصة تفيد بأن مشاهدة المستخدم المنشورات التي تحتوي على مشاعر سلبية تؤدي إلى خفض نسبة المنشورات التي ينشرها المستخدم نفسه وتحتوي على مشاعر إيجابية، والعكس صحيح، ما يعني أن المشاعر التي تتم مشاركتها من قبل الأصدقاء على وسائل التواصل تؤثر في مزاج المستخدم ومشاعره.
وتم انتقاد هذه التجربة بشكل كبير من قبل شرائح مختلفة من المجتمعات في كل أرجاء العالم ومسؤولين في شركة فيسبوك، ونشر كلاي جونسون مؤسس شركة "بلو ستايت ديجيتال" وهي الشركة التي تولّت حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الالكترونية تغريدات عدة على حسابه في "تويتر" تنتقد التجربة، وتعتبرها "مرعبة"، وتساءل: "هل يمكن لوكالة الأمن القومي الأمريكي أن تحرّض على الثورة في السودان من خلال الضغط على "فيسبوك" لعرض الأخبار السلبية؟ هل يعتبر هذا قانونياً؟ هل يستطيع مارك زوكيربيرغ مؤسس فيسبوك تغيير نتائج الانتخابات من خلال الترويج لمواقع معينة قبل الانتخابات؟".
تويتر والسعودية
من المعروف أن السعودية تملك أكبر نسبة منتسبين إلى موقع "تويتر"، فهناك نحو 2.5 مليون مستخدم نشط في السعودية عبر "تويتر" يشكلون نحو 40 بالمئة من إجمالي المستخدمين النشطين في العالم العربي.
ولهذا السبب يملك موقع "تويتر" تأثيراً كبيراً داخل السعودية، ومن المؤسف أنك تستطيع من خلال دفع 200 دولار فقط أن تؤثر في الرأي العام السعودي، فقد أظهرت نتائج تحقيق أجرته شبكة "بي بي سي" البريطانية مفاجأة، بالكشف عن حقيقة الهاشتاغات التي تعتلي "الترند" في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بالسعودية، وأشارت "بي بي سي" إلى أن الشركة "الغامضة" بحسب وصفها، تمكنت من إيصال الهاشتاغ الوهمي إلى قائمة "الترند" في مدينة جدة خلال فترة وجيزة وسط تساؤلات من المغردين "من هي فهيمة؟".
ولفتت "بي بي سي" إلى أنه "على الرغم من أن معظم الهاشتاغات التي يروّج لها بتلك الطريقة وهدفها ترويج تجاري، فهناك احتمال أن تستخدم تلك الأساليب للترويج لآراء سياسية".
ونقلت "بي بي سي" عن مارك أوين جونز، وهو محاضر في تاريخ الخليج والجزيرة العربية بجامعة إكستر الإنجليزية، قوله إنه "لاحظ خلال الأزمة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة الأربع حسابات عديدة على تويتر تنشر شائعات ومعلومات خاطئة".
وأضاف: "تلك الحسابات الوهمية يمكنها أن تتلاعب بعقول مستخدمي تلك المواقع الذين لا يعلمون حقيقة تلك الحسابات".
ختاماً.. كشفت مجموعة من الدراسات الحديثة التي أجرتها جامعة أكسفورد أنه يتم استخدام الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي للتلاعب بالرأي العام في جميع أنحاء العالم، ففي تايوان شنّت الآلاف من الحسابات غير المؤتمتة بالكامل حملة ضد الرئيسة تساي إنغ ون وذلك بهدف توسيع هذه الحملة في بر الصين الرئيسي، وبالتالي تظهر الدراسات أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست سوى ساحة معركة سياسية دولية قذرة.
في ظاهر الأمر ليس هناك ضوابط لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في بنية المجتمعات العالمية، وتتجه الأمور ليصبح المجتمع سجين هذه الوسائل ولا يستطيع الانعتاق منها لكونها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة أغلب الشباب في مختلف أرجاء العالم، ومهما حاولت وسائل التواصل الاجتماعي تقديم تطمينات لمستخدميها تبقى قابلة للاختراق وما حصل في "فيسبوك" مؤخراً مثال عن ذلك.