الوقت- في عالمنا اليوم اصبحت للحروب اوجه مختلفة، فعدا عن الحرب العسكرية بدأت انواع جديدة من الحروب وعلى كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية بالاضافة الى الحرب الالكترونية وهي جبهة حرب جديدة نسبيا بدأت بالنمو بشكل مضطرد وأضحت مصدر قلق للدول التي كانت بالامس القريب تعتبر الأولى في المجال الالكتروني وتكنولوجيا حماية المعلومات وعلى رأس تلك الدول امريكا. ومن ميزات هذا النوع من الحروب انه وبامكانات متواضعة يمكن لأي دولة او حتى منظمة وبقليل من الدعم تشكيل فريق او شبكات من القراصنة "hackers" لاستهداف مواقع الاعداء الالكترونية وبنوك المعلومات التي تحوي عادة معلومات سرية عسكرية سياسية واقتصادية تهم الطرف المهاجم.
وخلال السنوات القليلة الماضية اصبحت امريكا من الدول الاكثر عرضةً لهجمات الكترونية من هذا النوع، ففي ظل الهيمنة الامريكية على الساحة الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وبسبب تنامي العداء لها يلاحظ المراقب للشأن الامريكي أنها اصبحت هدفا دائما لهذه المجموعات من القراصنة الذين يمكن تقسيمهم الى فئتين:
افراد ومجموعات وبمعزل عن اي ادارة وتوجيه من قبل جهات معينة يقومون بمحاولات اختراق وتعطيل مواقع حكومية وغير حكومية امريكية اعتراضاً على سياساتها في العالم، أو تنفيذا لاهداف خاصة كسرقة معلومات من اجل اهداف مادية او غير ذلك.
بالاضافة الى مجموعات من القراصنة متخصصة ومدربة مدعومة من دول ومنظمات تعمل وفق برنامج مدروس ومحدد الاهداف للوصول الى معلومات قيمة أو تعطيل مواقع معادية والتسبب باضرار تقنية ومادية فيها، وليس من المبالغ القول ان معظم الدول اصبحت تهتم بتشكيل فرق ووحدات من هؤلاء القراصنة لأنها شاءت أو أبت فان العالم يتجه لخوض غمار حرب الكترونية كونية، لا يمكن لأحد ان يكون بمنأى عن نيرانها.
اما بالعودة الى الواقع الامريكي فاللافت اليوم هو الضعف الواضح والكبير في أنظمة الحماية الامريكية التي كانت بالأمس القريب من أهم انظمة الحماية العالمية ان لم نقل الأهم. الايام القليلة الماضية كان الحديث عن اكبر عملية خرق امني في تاريخ امريكا من خلال الاختراق الاخير الذي تعرض له مكتب شؤون الموظفين الفدراليين الامريكيين والذي تمكن القراصنة من خلاله من سرقة معلومات حساسة لما يزيد عن 22 مليون موظف بينهم مسؤولون كبار وضباط وعملاء سريون، وقد جاء هذا الخرق بعد شهر تقريبا من قرصنة معلومات 4.2 مليون موظف فدرالي. وبالتدقيق بالقصة الكاملة للاختراق يُلاحظ ان الهدف على حد تعبير مديرة مكتب ادارة الموظفين كاثرين ارشوليتا والتي ما لبثت ان قدمت استقالتها لاوباما ليس هدفا امنيا قائلة "لا توجد معلومات توحي بأي سوء استغلال"، وهذا التصريح كان من باب طمأنة الاشخاص الذين انتشرت معلوماتهم الشخصية على صفحات الانترنت. ولكن ما معنى ذلك؟ وبكل بساطة الهدف ليس نفس المعلومات بقدر ما هو عرض قوة وسطوة من قبل المهاجمين ويشير هذا الى ثقة كبيرة لدى المهاجمين من عجز الطرف الآخر عن اتخاذ اي اجراءات تحد من نشاطهم.
وبالعودة الى تاريخ الخروقات الالكترونية في امريكا فان مراجعة ما حصل مع شركة "sony picture" وهي من الشركات الرائدة في صناعة الافلام الترفيهية في امريكا تؤكد الضعف الكبير وعدم القدرة على الصمود امام هجمات منظمة ومدروسة، رغم ان الشركة تعرضت لتهديد واضح وصريح فهي لم تتمكن من منع تعطيل نظام الحاسوب الخاص بالشركة بالاضافة الى اتلاف مقدار كبير من المعلومات فيه هذا بالاضافة الى قرصنة لمعلومات 10 سنوات متواصلة عبر البريد الالكتروني واكثر من ذلك تكبيد الشركة خسائر بملايين الدولارات عبر تسريب لقطات من 5 افلام 4 منها لم تكن قد عرضت، مما اضطر الشركة عاجزة وبعد ساعات قليلة على الهجوم الاعلان عن عدم عرض فيلم المقابلة "the interview" وهو الفيلم الساخر من الزعيم الكوري الشمالي. هذا وسط أنباء عن فشل امريكي في عدة محاولات لمهاجمة مواقع الكترونية كورية شمالية، وذلك بعد توعد اوباما بالرد على الهجوم الكوري الشمالي. طبعا تطول الامثلة التي تتحدث عن خرق وقرصنة مواقع امريكية حتى ان نفس البيت الابيض والبنتاغون ووزارة الشؤون الخارجية لم يسلموا من هجمات القراصنة ودائما كان الضعف في صد الهجمات والخروقات سيد الموقف مما يؤكد ان امريكا بدأت مرحلة الافول وليست بموقع تُحسد عليه في الحرب الالكترونية الآخذة بالتوسع.