الوقت- كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً سلّطت الضوء فيه على الخلافات الأخيرة التي نشبت بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، حيث أعربت قائلة: لقد كان من أولويات أمريكا الحفاظ على تحالفها مع الدول الأوروبية والتضامن السياسي والاقتصادي والعسكري معها ولقد بذلت أمريكا التي كان لها حضور قوي على الساحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، الكثير من الجهود لخلق حالة من الإجماع مع تلك الدول الغربية من أجل دعمها على الصعيد التجاري والأمني حول العالم وخلال تلك الفترة الزمنية كانت أمريكا تّدعي بفخر بأنها زعيمة العالم الحر، ولكنّ الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" قام باتخاذ نهجٍ مختلفٍ وأكثر حماقةً، فجميع الأعراف الدبلوماسية والقيم الليبرالية والقوانين واللوائح الأمريكية والمؤسسات والمنظمات الدولية والمثل السامية، تتعارض مع رغباته الأنانية.
وفي هذا المقال لفتت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" عانت من أزمة سياسية داخلية شديدة خلال الأسبوع الماضي، وهذا الوضع استغلّه الرئيس "ترامب" الذي أطلق بعض التصريحات غير المنطقية، والمخادعة حول تأثير قضية الهجرة على "الائتلاف الحاكم الضعيف وغير المستقر في برلين"، وذكر بأن تزايد عدد المهاجرين في ألمانيا، كان من أهم الأسباب وراء ارتفاع عدد الجرائم في هذا البلد.
هل انهيار النظام العالمي يُعدّ مهمة تبشيرية ودينية لـ "ترامب"؟
في الواقع، إن رئيس أمريكا مسرور جداً من تلك الأخبار التي تُشير إلى أن حكومة أهم دولة أوروبية قد تنهار في أي لحظة ومن المتوقع أنه سيكون لهذا الانهيار نتائج واسعة على كل قارة أوروبا، ومنطقة التحالف الأطلسي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كانت رسالة الرئيس "ترامب" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مجرد تسلية، يُريد بها أن يستعرض عضلاته وغروره والاستمتاع بفشل الطرف الآخر؟ أم إن تدمير النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية يُعدّ مهمة تبشيرية ودينية للرئيس "ترامب"؟
لقد خلق هذا التساؤل الكثير من المضايقة لدى كبار المسؤولين الأوروبيين بالإضافة إلى العديد من المواطنين الأمريكيين، في حين أن "ترامب"، أجبر أصدقاء وحلفاء أمريكا على التخلي عن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بشق الأنفس وقام بإلغاء جميع المعاهدات التجارية وهدد بالقيام بحرب تجارية مع العديد من دول العالم.
وفي نهاية المطاف، ليس من الأهمية بمكان معرفة جذور "الآفات الترامبية" التي انتشرت في أنحاء العالم وإنما يجب في الوقت الحاضر الإجابة على السؤال القائل، كيف سيتمكن أولئك الذين يؤمنون بالقيم والمبادئ التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، من التعامل مع هذه الأوضاع المتأزمة؟ من الواضح أن الإطراء وإطلاق العبارات المنمّقة على "ترامب" لن يُفيد في شيء.
أوروبا تعاني من عيب الازدواجية
حول هذا السياق كتبت صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه يجب على الدول الأوروبية الرد والوقوف بحكمة في وجه الرئيس "ترامب" معتمدين في ذلك على كل الحقائق الميدانية، ولفتت هذه الصحيفة إلى أن الدول الأوروبية عانت خلال الفترة السابقة من الازدواجية في رؤيتها للأحداث العالمية وهذه الازدواجية نشأت بسبب الأزمات الاقتصادية التي مرّت بها وارتفاع عدد المهاجرين إليها، وتزايد النزعة الشعبية عند المواطنين الأوروبيين، وانتشار الشكوك حول الفوائد التي قدّمها الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأوروبيين وخاصة بعد مغادرة بريطانيا لهذا الاتحاد، إن العداء ضد الرئيس "ترامب" لا يكفي بأي حال من الأحوال لجعل الأوروبيين موحدين ومتماسكين في المستقبل القريب، خاصة وأن الأغلبية العظمى من الجناح اليميني المتطرف في أوروبا لا يزالون يمتلكون رؤية جيدة ومحترمة تجاه "ترامب" ولهذا فإنه يجب على تلك الدول الأوروبية الاهتمام أكثر بقضايا تتعلق بإصلاح منطقة اليورو والقضايا التجارية الأخرى.
وفي سياق متصل، صرّح الرئيس "ترامب" كغيره من الرؤساء السابقين لأمريكا، بأن الدول الأوروبية لا تدفع نصيبها العادل لإحلال الأمن والأمان في الغرب ولهذا فلقد ارتفع الإنفاق الأوروبي في العام الماضي ومن المتوقع أن يستمر هذا الإنفاق في الارتفاع ومع ذلك، فإن أمريكا والأعضاء الثلاثة الآخرين في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينفقون ما لا يزيد عن اثنين في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على هذه الأمور الأمنية.
يجب على الموقّعين على الاتفاق النووي الحفاظ على هذا الاتفاق وإبقائه على قيد الحياة
يجب على القادة الأوروبيين أن يقفوا بحزم في وجه استفزازات الرئيس "ترامب" وذلك لأن أمريكا لا يمكنها أن تفرض هيمنتها على جميع دول العالم ولقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي وكندا ودول آسيوية بالفعل بمواجهة سياسات الرئيس "ترامب" العدوانية وذلك من خلال عقد وإبرام العديد من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف مع بعضهم البعض وهنا يجب عليهم أن يفعلوا كل ما في وسعهم لتحميل الصناعة والتجارة الأمريكية الكثير من النفقات الضخمة في هذه الحرب التجارية وينبغي على الموقعين على اتفاقية باريس بشأن المناخ، بالإضافة إلى الموقعين على الاتفاقية النووية الإيرانية، الحفاظ والالتزام بهذه الاتفاقيات على نحو مماثل، حتى لو لم تعد أمريكا عضواً فيهما.
وفي نهاية هذا المقال أعربت صحيفة "نيويورك تايمز"، بأنه يجب على جميع الأطراف أن يصرحوا بشكل علني بأن تلك القوانين والعلاقات والقيم التي تم تجميعها وتشكيلها على مدى عدة أجيال لها قيمة عالية ويجب الدفاع عنها والقتال من أجلها وعليهم أن يتذكروا بأن هنالك عدداً كبيراً من الشخصيات الأمريكية المؤثرة، تعارض مطالب الرئيس "ترامب" المتهورة، بما في ذلك العديد من الشخصيات التابعة للحزب الجمهوري وحتى بعض أعضاء الحكومة الأمريكية الحالية.