الوقت -طفت قضية بيع الأراضي الفلسطينية على السطح مرة أخرى، فقد قال الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد "حسن نصر الله" في كلمة له بمناسبة يوم القدس العالمي يوم أمس الجمعة: " للأسف الشديد هناك بعض العرب وبعض دول الخليج يرسلون المال لشراء البيوت من المقدسيين ورجال الأعمال العرب الخونة يبيعون هذه المنازل للصهاينة، ولكي نساعد المقدسيين على الصمود مطلوب منّا جمع الكثير من التبرعات من الدول الغنية، وتقديمها للشعب الفلسطيني المظلوم"، ولفت إلى أن هؤلاء الناس ليس لهم قيمة عند شعوبهم وأعرب بأن الرئيس الأمريكي "ترامب" قال عن بعض هؤلاء الناس وبعض هذه الدول في المنطقة: "إن هناك حكومات ودول وأنظمة إذا تخلينا عنها تسقط في أسبوع"، وأشار السيد "نصر الله" في نهاية كلمته إلى ما تتعرض له مدينة القدس ومن خلفها القضية الفلسطينية من مساعٍ للأعداء الأمريكيين والصهاينة من أجل السيطرة وحسم المعركة واتخاذهم لبعض الخطوات الجديدة التي كان آخرها هذا العام، اعتراف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي الغاصب ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشريف وأعرب السيد "نصر الله" بأن السكان المقدسيين العرب من مسلمين ومسيحيين يقع على عاتقهم العبء الأكبر والرهان الأساسي ويحب عليهم البقاء، والحفاظ على بيوتهم في هذه المعركة الحقيقية.
إن هذا الكلام يعيدنا إلى حادثة تاريخية شكّلت مفصلاً رئيسياً في الصراع العربي الإسرائيلي ولقد تبلورت هذه الحادثة وهذه القضية في أسطورة بيع الفلسطينيين لأراضيهم لليهود رغم أن الواقع التاريخي كشف العكس تماماً ولقد قيل الكثير من هذا الكلام الكاذب بحق الفلسطينيين ولقد تم اتهام الفلسطينيين ببيع أراضيهم للمواطنين اليهود، والتنازل عن وطنهم بلا مقاومة وبهذه الكذبة تم تأكيد الخيانة التاريخية على الفلسطينيين على مرّ السنين السابقة لدرجة أن هذه الحجة أصبحت واحدة من أهم الوسائل لتبرير دور العرب السلبي تجاه القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني المظلوم رغم كل ما يعانيه، وفي عجالة وبما لا يترك مجالاً للشك، سوف نتطرق ونثبت في مقالنا هذا بأن الفلسطينيين لم يقوموا ببيع أراضيهم، بل إنهم قاوموا بكل طاقتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وحول هذا السياق تذكر العديد من المصادر التاريخية بأن الدولة العثمانية أصدرت حزمة من القوانين والمقررات في عام 1861 ميلادي كان أبرزها قانون تسجيل الأراضي والحقوق والواجبات المترتبة عليه وبهذا القانون استطاعت الحكومة العثمانية فرض الكثير من الضرائب المالية على المحاصيل الزراعية وخلال تلك الفترة الزمنية عجز العديد من الفلاحين الفلسطينيين عن سداد تلك الضرائب ولهذا فلقد تنازلوا مجبرين عن زراعة مساحات كبيرة من أراضيهم الزراعية للدولة العثمانية التي قامت هي بدورها بمصادرتها وبيعها في مزادات علنية بأثمان رخيصة وزهيدة لمن استطاع الشراء من سكان المدن الذين قاموا فيما بعد ببيعها للمواطنين اليهود عندما قدِموا إلى فلسطين في أوائل القرن الماضي وتؤكد العديد من المصادر التاريخية بأن حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين بين عامي 1917 و 1918، لعبت دوراً مهمّاً وأساسياً في تسهيل نقل ملكية مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية لليهود كأفراد وللمؤسسات اليهودية مثل الصندوق القومي اليهودي، وصندوق الائتمان اليهودي للاستعمار، والبنك البريطاني الفلسطيني.
وفي تلك الحقبة الزمنية نشطت الحركة الوطنية الفلسطينية والمثقفين في كتابة الصحف وإصدار البيانات للضغط على الحكومة من أجل منع تملّك الأجانب واليهود للأراضي في فلسطين وقام هؤلاء المثقفون بالتشهير بالعائلات التي تبيع أراضيها لليهود والوسطاء والسماسرة وكان من نتيجة ذلك أن العديد من سماسرة الأراضي تعرّضوا للضرب والقتل.
وتشير الإحصائيات التاريخية بأن مجموع ما كان يملكه اليهود من الأراضي الفلسطينية في فترة الحكم العثماني وبداية فترة الاحتلال البريطاني بلغ 420 ألفاً و600 دونم أي ما يعادل 1,55% من مساحة كل فلسطين، كما أن مجموع ما منحته حكومة الانتداب البريطانية من الأراضي الفلسطينية للوكالة اليهودية بلغت 325 ألف دونم أي ما يعادل 1,2% وأكدت تلك الإحصائيات بأن مجموع ما باعه المّلاك غير الفلسطينيين لليهود بلغ 625 ألف دونم أي ما يعادل 2,3% ومجموع ما باعه كبار الملاك الفلسطينيين لليهود بلغ 261 ألفاً و400 دونم أي ما يعادل 0,96%، بينما بلغ مجموع ما باعه صغار الفلاحين الفلسطينيين اضطراراً لليهود نحو 300 ألف دونم أي ما يعادل 1% من مساحة فلسطين وبالنظر إلى كل تلك الأرقام أعلاه يتضح لنا بأن كل ما انتقلت ملكيته إلى أيدي اليهود أفراداً ومؤسسات من أراضي فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية عام 1948 لا يتعدى نسبة 7,5% من مساحة البلاد، فهل تلك النسبة تبرر عبارة "الفلسطينيون باعوا أراضيهم"، بالطبع لا.