الوقت-أعلن وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو، يوم الاثنين الماضي في مؤتمر صحفي له، 12 شرطاً أمريكياً للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، لكن قبل الخوض في هذه المسألة، ينبغي التذكير بأنه في 8 مايو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده الأحادي من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، فهو لطالما صرّح خلال حملته الانتخابية أن الاتفاق النووي هو صفقة سيئة لأمريكا، وحلفائها وشدّد على ضرورة مراجعة، وإجراء محادثات جديدة مع إيران، أما اليوم وبعد خروجه من الاتفاق النووي، وإعلان بومبيو الـ 12 شرطاً يمكن القول إن ترامب يسعى من خلالها إلى الحصول على امتيازات جديدة من إيران.
ومع ذلك، يبدو أنه من خلال تحليل محتوى هذه الشروط، سيكون من الممكن بشكل أكثر واقعية تحديد الأهداف الرئيسية والحقيقية وراء خطط أمريكا لإجراء مفاوضات جديدة مع إيران.
1-في الشرط الأول أعلن بومبيو أنّ على إيران الإفصاح عن كامل الأبعاد العسكرية لنظامها النووي، والسماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيشه بشكل مستمر، وبطبيعة الحال، فإن الافتراض المسبق لهذا الشرط يعود إلى أنّ برنامج إيران النووي له بعد عسكري وليس سلمياً، ويأتي الطلب الأمريكي على خلفية المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو في نهاية أبريل/نيسان الماضي الذي كشف خلاله ما قال إنها وثائق عن البرنامج النووي الإيراني تثبت عدم مصداقية إيران في المعلومات التي قدّمتها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنّ الوكالة أكّدت أكثر من مرّة سلمية البرنامج النووي الإيراني.
2-الشرط الثاني هو وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وعدم إنتاج البلوتنيوم، وفي هذا الجانب، تجدر الإشارة إلى أن تخصيب اليورانيوم هو من أجل توفير الوقود لمفاعلات الطاقة النووية لتوليد الطاقة، فضلاً عن الاستخدامات السلمية الأخرى في الصناعات مثل الطب والزراعة، وغيرها من الأمور السلمية، كما أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي يعترفان بحق الدول في الاستفادة من هذه التقنيات من أجل تحقيق التقدّم، ومن هذا المنطلق يحقّ لإيران الاستفادة من هذا الحق، ومن ناحية أخرى، إن قمنا بمراجعة التاريخ لا يمكن الوثوق بالعهود التي تطلقها أمريكا، ومن هنا أصرّت إيران على إنتاج الوقود النووي داخلياً وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المسألة.
3-السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المشروط إلى جميع المواقع النووية، والعسكرية في البلاد كان أحد الشروط الـ 12 التي أطلقها بومبيو عند تحديد أولويات المصالح الوطنية، حيث يُعتبر أمن وحماية السلامة الإقليمية للبلد من أهم المصالح الوطنية، ومن هنا إن الجمهورية الإسلامية في إيران حسّاسة في هذه المسألة، وخاصة بسبب موقعها الجغرافي والاستراتيجي، وتضارب مصالحها مع الغرب بالإضافة إلى وجود خصوم، وأعداء إقليميين محبطين بشدة من رسالة الثورة الإيرانية التي ترفع شعار "الحكم للشعب"، و"لا للاستعمار الأجنبي"، وبناءً على ذلك، فإن مسألة زيارة المراكز العسكرية ستكشف الأسرار العسكرية والدفاعية للبلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة المخاطر الأمنية على طهران.
4-في جزء آخر من الشروط الأمريكية، تم طرح قضية إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين، ومواطني الدول الحليفة المعتقلين في إيران، بطبيعة الحال، إن أي حكومة رسمية في أي بلد ما هي مسؤولة عن تنفيذ، وتطبيق القانون، والحفاظ على النظام، والاستقرار داخل حدودها الرسمية، كما أن القانون الدولي يقول إنه يجب على مواطني الدول الأجنبية احترام قوانين البلد الذي يسافرون إليه، ولا يقوموا بانتهاكها، ومن هنا يحقّ للإدارة الأمريكية معاقبة المواطنين الإيرانيين في حال تخطوا القانون داخل الأراضي الأمريكية، وبالتالي إن هذا الحقّ مشروع للحكومة الإيرانية أيضاً.
5-الشرط الخامس هو إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وفي هذه المسألة، يجب الوقوف عند بعض النقاط المهمة:
أولاً- إن تعريف الإرهاب من وجهة نظر أمريكا والغرب لطالما كان يرتبط بأهداف، ومصالح هذه الدول في العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ويعتبر وضع حزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي على قائمة الجماعات الإرهابية من ضمن هذه الأهداف، بالرغم من سعي هذه الجماعات فقط للدفاع عن أراضيها، وبلدانها ضد العدوان الصهيوني، وبينما تعارض الأغلبية الساحقة من دول العالم تنفيذ خطة ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة للنظام الصهيوني، لكن أمريكا تجاهلت كل المعارضة العالمية لمصلحة الكيان الإسرائيلي الذي قام من خلال شنّ الحروب المختلفة بقتل الأطفال، والنساء الفلسطينيين واللبنانيين، وقام بتصنيف الدعم الإيراني للفلسطينيين بـ "دعم للإرهابيين".
ثانياً-النقطة الثانية تتعلق بالادعاء أن إيران تدعم طالبان، والقاعدة في أفغانستان، ويشهد التاريخ أن تشكيل هاتين المجموعتين في الثمانينيات قد جرى بتخطيط أمريكي وباكستاني، برعاية مالية سعودية لمواجهة وجود الجيش الأحمر (الجيش السوفيتي) في أفغانستان، ومن جهة أخرى، فإن الطبيعة الأيديولوجية والتكفيرية لهذه الجماعات، القائمة على الوهابية المدعومة سعودياً، تتعارض تماماً مع الفكر الشيعي وإيران، وكان أحد أهم أهداف هذه المجموعات هو مواجهة التأثير المتنامي لخطاب الثورة الإيرانية بين الدول الإسلامية في المنطقة.
ثالثاً-النقطة الثالثة تتعلق بمناقشة الدعم الذي تقدّمه إيران لأنصار الله في اليمن الذي يتعرّض للحصار البحري، والجوي، والبري من قبل التحالف السعودي الأمريكي، هذه النقطة ما هي إلا ذريعة من أجل الهروب من المستنقع اليمني الذي وقعت فيه السعودية وأمريكا، حيث لم تستطع أن تحقق شيئاً خلال ثلاث سنوات من الحرب سوى المجاعة، والقتل، والتدمير في اليمن، مقابل دعم إيران الدائم لعملية الحوار بين الجماعات اليمنية من أجل وقف الحرب وقتل المدنيين.
6-سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا والعراق هو بند آخر من البنود 12، وهو لا يعني سوى غضب رؤساء البيت الأبيض من فشل مشروعهم في المنطقة، وذلك بسبب الدعم الكبير الذي قدّمته طهران لهذه الدول مقابل مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تجزئة سوريا، والعراق إلى دويلات ما يصبّ في مصلحة الكيان الإسرائيلي.
ختاماً، إن إعلان أمريكا عن 12 شرطاً من أجل التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران ما هو إلا لعبة إعلامية جديدة تسعى واشنطن من خلالها إلى إخراج نفسها من العزلة الدولية التي أدخلت نفسها بها بعد نقضها لعهودها بالخروج الأحادي الجانب من الاتفاق النووي، من ناحية أخرى يعد اعلان ترامب عن هذه الشروط نوعاً من الرد على المكاسب الاقتصادية التي حققها من الدول الخليجية وخاصة السعودية، وفضلا عن دعم اللوبي الصهيوني الهائل له في الانتخابات الأمريكية والذي لعب دورا هاما في وصوله الى البيت الأبيض. وفي الواقع ان ترامب يعلم ان هذه الشروط غير قابلة للتنفيذ وخاصة ان خلال العقود الأربعة الماضية ورغم كل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي فرضتها أمريكا على إيران لم تتحقق هذه الشروط وبقيت أحلاماً عند الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض.