الوقت- فتحت النتائج الأولية للانتخابات العراقية الصادرة عن المفوضية المستقلة للانتخابات الليلة الماضية، الباب على مصراعيه لبدء سلسلة من التكهنات الجديدة عن مستقبل العراق وكيف ستكون سياسة هذا البلد "الداخلية والخارجية" بعد أن نفض عن ترابه قذارة "داعش".
ظهر في النتائج الأولية للمفوضية المستقلة تقدم ملحوظ لائتلاف "سائرون" بقيادة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في عشر محافظات، ليتبعه تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، وجاء تحالف بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأصوات.
كيف تمكّن الصدر من كسب أصوات العراقيين؟!
من المعروف أن مقتدى الصدر "44 عاماً" ينحدر من أسرة دينية عريقة، إذ كسب والده لقب آية الله العظمى وهو أعلى درجة دينية في الإسلام بحسب المذهب الشيعي؛ هذا الأمر أسس له منبراً قوياً لمخاطبة الشعب العراقي ولكون الرجل يملك فن الخطابة والتأثير على الناس من خلال التقرّب منهم ومن مشكلاتهم والحديث عن أمور حساسة يعاني منها العراق، وما زاد شعبيته إلى نسب كبيرة هو عداؤه العلني للتدخل الأمريكي في العراق، وقاد الصدر أنصاره لمواجهة العدوان الأمريكي وامتد الأمر إلى مواجهة مسلّحة معهم، لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أعلن أن الصدر عدو رسمي لأمريكا موجّهاً قوات التحالف لاعتقاله أو قتله قائلاً لا يمكن أن نسمح لرجل واحد بتغيير مسار البلاد.
وبعد ذلك قاد انتفاضتين ضد القوات الأمريكية في العراق، وهذا ما أكسبه ثقة الشعب العراقي لكون هذا الشعب حساس جداً لهذا الموضوع، فجميع العراقيين كانوا على يقين بأن أمريكا هي سبب دمار بلادهم وتخريب بنيتها التحتية وخلق تنظيم "داعش" الإرهابي الذي عاث فساداً في البلاد وكلف العراق عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.
ولم يكتفِ الصدر بالدفاع عن وحدة العراق بل انتقلت تصريحاته النارية إلى الدفاع عن سوريا التي هددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأسبوع الأول من الشهر الماضي بقصفها بصواريخ ذكية، حينها خرج مقتدى الصدر ليستنكر تصريحات ترامب، مشدداً على أنه لن يتهاون تجاه المساس بالمقدسات الإسلامية في سوريا، وأشار إلى أن العراق لن يسمح بتوسع الحرب مع سوريا، قائلاً "نحن نبدي للحكومة العراقية استعدادنا لحماية الحدود الغربية لكي نبعد الشر الأمريكي بل الاحتلال الأمريكي لسوريا".
وبعد قصف واشنطن لدمشق دعا الصدر لمظاهرات حاشدة نصرةً للسوريين، وفي الأمس استنكر الصدر، احتفالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف الأمريكي الضمني بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل".
ونشر مقتدى الصدر، تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قال فيها "وصمة عار أخرى للاستعمار والاستكبار العالمي مع افتتاح بناية الشر الأمريكية في القدس الأقدس في فلسطين الإباء والجهاد.. وما ذلك إلا دليل آخر على تمعّنها في إضرار الشعوب وأذيتهم وميولها للكيان الإسرائيلي الغاصب ومعاداتها للأديان السماوية"، وأضاف، "كلّي أمل بأن يأتيها الردّ السماوي الإلهي وخصوصاً إذا كان ردّ المسلمين ردّاً حازماً يساوي فعلها الشنيع".
وهنا يتقاطع الصدر إلى حد كبير مع تحالف "الفتح" الذي يقوده العامري، والذي حلّ في المرتبة الثانية، ويشاع حالياً بأن الصدر سيكون له يد كبيرة في تشكيل الحكومة الجديدة، التي قد يكون فيها فرصة جديدة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، إذ يتعين على الفائز بأكبر عدد من المقاعد، أياً كان، التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية كي يحظى بأغلبية برلمانية، ويجب تشكيل الحكومة خلال 90 يوماً من إعلان النتائج الرسمية، ولهذا ترجّح مصادر خاصة "التحالف بين العبادي والصدر" لضمان بقاء العبادي رئيساً للحكومة لولاية ثانية، فهو الأقرب من حيث السياسات والتوجهات الداخلية والخارجية من الصدريين.
وحسب التقديرات الأولية في بغداد فإن شكل التحالفات المقبلة يمكن أن يتلخّص في مسارين الأول يتمثل بائتلاف سائرون بزعامة مقتدى الصدر والنصر بزعامة حيدر العبادي في حال تحالفهما وهو الأمر الأقرب من التحقق فيما بعد، وقد يلتحق بهذا التحالف ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي.
أما المسار الآخر فيكون من تحالف محتمل بين قائمة الفتح بزعامة هادي العامري ودولة القانون بزعامة المالكي وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وبعض القوى الصغيرة ذات التوجه المشابه.
وفي الوقت الحالي ينشط العملاء الأمريكيون في العراق ويقومون بجولات عديدة لكسب تحالفات جديدة أو لإغواء الفائزين وتقديم وعود وهمية لهم مثل تقديم الدعم والقوة العسكرية وغيرها من الخدع التي يمارسها الأمريكي دائماً وأبداً، ومثال ذلك حالياً مبعوث الرئيس الأمريكي إلى العراق "بريت مكغورك" والسفير الأمريكي في العراق "دوغلاس سيليمان" اللذان يجولان على الزعماء السياسيين في العراق من بغداد إلى أربيل في تحرّك نشط لافت للأمريكيين يهدف بشكل واضح إلى التأثير في شكل التحالفات المقبلة داخل البرلمان.
وبكل الأحوال لا نعتقد بأن أمريكا سيكون لها مكان بين العراقيين بعد الفضائح المتتالية التي يتم نشرها حول تورطها في دعم داعش وفشلها الذريع في تقديم أي شيء إيجابي للعراقيين على مدار عقد ونصف من الزمن، ورغم كل التبدلات السياسية لمقتدى الصدر إلا أن هناك أمر ثابت سياسي وحيد وهو العداء لأمريكا، لذلك لن يكون للأمريكيين مستقبل في العراق طالما أن أقوى تحالفين نجحا في الانتخابات، يعاديان واشنطن.