الوقت- في العصر الجديد يحاول كل بلد من بلدان العالم تقوية اقتصاده بشتى الوسائل، وفي سبيل تحقيق ذلك اخترعت بعض الأنظمة العالمية العملات الرقمية كـ "البيتكوين" وغيرها، واعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن هذا النوع من العملات سيحلّ مكان الذهب في وقت قصير إلا أن الأمر لم يكن كذلك، حيث منيت هذه العملات بخسائر قياسية بلغت أكثر من 60 في المئة في شهر واحد، وبلغ سعر "بيتكوين" في البورصة 7289 دولاراً، لتهبط إلى أقل من نصف ذروتها المسجلة في ديسمبر، عندما اقتربت من 20 ألف دولار إلا أنه وبسبب الخسائر التي منيت بها العملات الرقمية، اتجهت الدول نحو إعادة سياساتها الاقتصادية وتركيز جهودها على زيادة احتياطاتها من موارد تتمتع بقيمة عالية وثبات عالمي، ومن هذا المنطلق أخذت البنوك المركزية للدول اليوم تعمل على زيادة احتياطها من الذهب بدلاً من الاعتماد على العملات الرقمية أو غيرها من المعايير.
مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض ورفعه شعار "أمريكا أولاً" بدأ حرباً تجارية مع قوى عالمية كالصين وروسيا، عبر فرض ضرائب جديدة على واردات البضائع الأجنبية، في المقابل لم تكتفِ كل من موسكو وبكين بالنظر إلى سياسات ترامب الهجومية على الساحة الاقتصادية التي ستؤثر بلا شك على اقتصاد كل منهما، بل شرعتا باتباع استراتيجية جديدة تهدفان من خلالها إضعاف الدولار وتغيير النظام المالي الدولي القائم على الدولار، وعلى إثر ذلك أخذت بعض الدول الغربية تفكر جدياً في هذه الحرب القادمة وأضرارها، فشرعت في تخزين وحفظ الموارد القيّمة مثل الذهب، ومن بين هذه الدول ألمانيا، حيث وفقاً لتقارير البنك المركزي الألماني، لقد أعادت ألمانيا مؤخراً الكثير من الذهب إلى بنوكها وهي لديها الآن حوالي 1440 طناً من الذهب في بنوك نيويورك و 438 في لندن و 307 في بنك باريس، وهي تعتزم إرجاع حولي 667 طناً من هذا الذهب إلى ألمانيا وتهدف من خلال ذلك إلى خلق الثقة والمصداقية والطمأنينة الاقتصادية داخل البلاد.
الصين
في السنوات القليلة الماضية بدأت الصين العمل على تخزين الذهب، حيث يعتقد البعض أنها تهدف من خلال زيادة احتياطيها من الذهب إلى تقوية قيمة عملتها "اليان الصيني" مقابل الدولار الذي سيشهد انحداراً في سعر صرفه في المستقبل، وفي الواقع، لا أحد يعلم كم هو احتياطي الذهب في الصين، ويعتقد الخبراء أن الصين تشتري الذهب بطريقة علمية لا تؤدي إلى ارتفاع سعره إثر ذلك.
وفي هذا السياق تقوم العديد من البلدان الأخرى، مثل صربيا واليونان والإكوادور والمكسيك وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، بشراء الذهب وبكميات كبيرة.
روسيا
وفي أغسطس الماضي، ووفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF)، قامت روسيا بشراء كمية كبيرة من الذهب، حيث ضاعف البنك المركزي الروسي احتياطه من الذهب خلال السنوات الخمس الماضية ووصل الاحتياطي خلال هذه السنوات إلى 1800 طن من الذهب، وتظهر التقارير إلى أنه بين العام 2000 ومنتصف عام 2007، خزّن البنك الروسي رسمياً حوالي 400 طن من الذهب، وفي بداية عام 2011، وصلت مخزونات الذهب في روسيا إلى 800 طن وبحلول نهاية عام 2014 وصل إلى 1200 طن، وفي عام 2016، أعلنت روسيا أن احتياطيها من الذهب قد بلغ 1600 طن.
التنسيق الروسي الصيني
ويرى محللون اقتصاديون أن أحد الأسباب التي دفعت الروس والصينيين لشراء الذهب بكميات عالية، هو تواصل ارتفاع الدولار، لكن هذا لا يُعدُّ مقنعاً، إذ إنَّ ارتفاع الدولار يعني الاحتفاظ به والإبقاء على رصيده للإفادة منه في جلب الواردات أو حتى الدفاع عن الروبل الذي عانى تراجعاً كبيراً. ويُعدُّ مبدأ تنويع احتياطي البنك المركزي أحد مبررات شراء الذهب، وهو ما تقومُ به المصارف المركزية حتى في غير حالة روسيا، وهو مقبول إلى حد كبير، لكن ربما تخشى موسكو تصاعُد التوتر مع أمريكا وحليفاتها من أوروبا، ومن ثم تفرض مزيداً من العقوبات عليها.
إلا أن محللين اقتصاديين آخرين يرون أن التعاون الروسي الصيني في هذا المجال ما هو إلا استراتيجية جديدة يهدف من خلالها بوتين إلى كسر احتكار الدولار للسوق العالمية وتوجيه ضربة اقتصادية لأمريكا عبر ضرب عملتها، ومن أجل ذلك، قامت كلتا الدولتين بمبادلة دولاراتهما بالذهب وأصبحتا من بين البلدان العشرة الأوائل التي تملك أكبر احتياطي من الذهب، وفي هذا الصدد، توقع مجلس الذهب العالمي أن احتياط الصين السنوي من الذهب سوف يتضاعف في السنوات العشر المقبلة.
ختاماً، على ما يبدو إن روسيا والصين متجهتان اليوم إلى إنشاء نظام مالي جديد بعيد عن الدولار الأمريكي، وفي سبيل تحقيق ذلك تخزّن كل من موسكو وبكين الذهب بكميات كبيرة من أجل تجاوز أعدائهم في حرب اقتصادية صامتة حيث تهدفان إلى الحفاظ على استقلالهما والتخطيط لتعزيز موقفهما في العالم. وتشير تقارير إلى أن كميات من الغاز والنفط التي تبيعها روسيا لجيرانها الآسيويين والأوروبيين تحولت من الدولار إلى احتياطيات من الذهب، وأمام هذا الصراع المحتدم يبقى السؤال ما الذي سيحلّ بالاقتصاد العالمي في حال نجاح روسيا والصين في استراتيجيتهما الجديدة.