الوقت - في خطوة لا تبدو مفاجئة استبعد الاتحاد الأوروبي فتح فصل جديد في محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد، قائلاً إن التحركات الأخيرة لأنقرة لا تساعد على إقامة علاقات جيدة مع جيرانها الأوروبيين.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد "فيديريكا موغيريني" إن الوقت لم يحن بعد لفتح فصل جديد في المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد.
من جهته قال "يوهانس هان" المفوض المسؤول عن التكامل الأوروبي "إن تحليلاتنا تظهر أن تركيا تواصل الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي خصوصاً في مجال سيادة القانون والحقوق الأساسية"، فيما ذكرت المفوضية الأوروبية في تقريرها السنوي أن أنقرة لم تحرز أي تقدم في مكافحة الفساد، مشيرة إلى أن الأطر القانونية والمؤسسات في تركيا تحتاج إلى أن تتطابق مع المعايير الأوروبية.
وتجدر الإشارة إلى أن المفاوضات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي بدأت في تشرين الأول/اكتوبر 2005 لكنها تعثّرت لأسباب عديدة سنأتي على ذكرها، كما تدهورت العلاقات بين الجانبين بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 إلّا أن مفاوضات جرت بين الجانبين في آذار/مارس العام الماضي بعد موافقة أنقرة على الإسهام في تقليص تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
وفي وقت سابق أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يبقى هدفاً استراتيجياً لأنقرة، لكنه ذكر في إحدى تصريحاته بأن ما أسماه "التحالف الصليبي" هو السبب وراء رفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
وأحبطت أوروبا مخطط أردوغان في الانضمام للاتحاد الأوروبي وتحوّل حلمه إلى سراب خاصة بعد الانتقادات الكثيرة التي تعرّضت لها أنقرة بأنها تنتهك القانون الدولي للاتحاد الأوروبي.
ويمكن تلخيص الأسباب التي تحول دون تحقيق تركيا لحلمها بالانضمام للاتحاد الأوروبي بما يلي:
- "العثمانوفوبيا" أو "الإسلام فوبيا" المترسبة في نفوس الأوروبيين لدرجة أنهم يعتبرون تركيا امتداداً لدولة "الخلافة الإسلامية"، وهذا بحد ذاته يشكّل خطراً على الاتحاد الأوروبي بحسب رأي أردوغان.
- العنصر الديموغرافي لتركيا المتمثل بحوالي 80 مليون نسمة، وهو ما يعطيها ثقلاً كبيراً على الصعيد البشري، ويؤدي في حال انضمامها للاتحاد الأوروبي إلى التغلغل في دول الاتحاد التي تعاني معظمها من نقص في السكان.
- الهوية الإسلامية للشعب التركي وهو ما تخشى منه الدول الأوروبية ولاسيّما أن هناك دراسات كثيرة تشير إلى تزايد كبير في أعداد المعتنقين للدين الإسلامي في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وهي دول رئيسية ومحورية في أوروبا.
- انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يجعلها ثاني أكبر عضو في الاتحاد وهذا الأمر يعطي لأنقرة عدداً كبيراً من الممثلين داخل البرلمان الأوروبي في حالة قبول انضمامها للاتحاد، وهو ما يثير مخاوف لدى دول الاتحاد من أن تتحول القضايا الإسلامية إلى قضايا أوروبية نظراً لأن الديانة الرئيسية في تركيا هي الإسلام.
- على المستوى الاقتصادي يتوقع البعض أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا للبحث عن فرص عمل في هذه الدول، وبما أن العمالة التركية تعتبر رخيصة فسوف يؤدي هذا على تدني الأجور في دول الاتحاد وزيادة معدلات البطالة.
وتختلف مواقف دول الاتحاد الأوروبي من انضمام تركيا إليه، وتقوم معظم هذه المواقف على رواسب تاريخية وأيديولوجية بحتة، فبالنسبة لليونان وقبرص، يُعتبر العداء للأتراك جزءاً حيوياً ورئيسياً في هوية البلدين.
أمّا بالنسبة لدول مثل النمسا فإن معارضتها لانضمام تركيا للاتحاد تقوم على مزاعم بأن الأتراك يحاولون استعادة نفوذهم في البلقان، خصوصاً أن حصار العثمانيين المتكرر لفيينا (في 1529 و1683) لايزال عالقاً في الأذهان ويعدّ واحداً من أهم مفاصل التاريخ الأوروبي التي لم يتم تجاوزها.
أما التوجس الألماني من إدخال تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فيبدو أحياناً غير مبرر، بحكم علاقات التحالف الطويلة بين البلدين، والتي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وتحولت إلى تحالف في الحرب العالمية الأولى، وكذلك في حلف شمال الأطلسي، وليس واضحاً إن كان هذا التوجس يعود إلى الارتباك الذي سيشكله دخول أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي في حال حصوله، لتصبح منافسة لبرلين على نفوذها، أو أنه يعود لأسباب أخرى.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكننا القول بأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمر صعب جدّاً إن لم يكن مستحيلاً، ولعل هذه الاستحالة مردها إلى الانهيارات المتتالية داخل الاتحاد الأوروبي الذي بات مهدداً في أمنه وتماسكه ونسيجه الاجتماعي، فالأزمات الاقتصادية عصفت ببعض أعضائه والتهديدات بالانسلاخ من صلبه قد تزيد من جراحه التي يرى بعض المراقبين أنها قد لا تندمل بتاتاً خصوصاً إذا تم انسحاب بريطانيا من الاتحاد بشكل نهائي في نهاية المطاف.
لكن، لماذا ترغب تركيا بمواصلة مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي وهي تعلم أنها لن تحصل على العضوية؟
للإجابة عن هذا التساؤل يمكن القول بأن القادة الأتراك وكما يبدو يطالبون بسقف مطالب عالية تتمثل بالعضوية الأوروبية ليحصلوا على مكاسب في اتفاقات سياسية واقتصادية مع دول الاتحاد بين الحين والآخر، وفي مقابل ذلك لا تريد دول الاتحاد رفض عضوية تركيا بشكل نهائي خوفاً من تحولها إلى بلد خارج مصالح السرب الأوروبي، وقضية اللاجئين مثال واضح، وذلك عندما فتحت تركيا أبوابها لهجرة اللاجئين إلى أوروبا.